الرياض - سمير خميس:
ردحاً من الزمان.. سادت القناعة بوجاهة ما ذهب إليه الشاعر القائل:
«لعمرُك ما ضاقت بلاد بأهلها
لكن أخلاق الرجال تضيق».
غير أن شاعرنا الهمام، سيكون في موقف حرج.. إذا أتت به الظروف لعصرنا الحاضر، ليرى كيف أن أراضي شاسعة رحبة.. كأراضي المملكة.. قد ضاقت بأهلها.. حتى بات اقتناء منزل.. خيالاً لا يُداعب الأجفان إلا حين يتغشاها الكرى.
ملامح المشكلة، تنداح على أكثر من صعيد، بدءاً بأسعار الأراضي التي باتت عصيّة إلا على القادرين، وانتهاءً بأسعار البيوت اللائقة بالسكن، لترتفع علامات الاستفهام حول ما يتهدد حاضر الشباب والأسر الحائرة بسبب جور المساكن.
عبد الله السويلم، الذي يعمل معلماً في إحدى المدارس، يحمل مثل رصفائه حلم المنزل، لكنه مذهول من التطاير الدراماتيكي لأسعار المسكن، كما يحاول وضع يده على سبب المشكلة مجتهدا: «صحيح أن قيمة الأراضي المرتفعة تسببت في جانب كبير من الصعوبات، لكن لا ننسى الإجراءات الروتينية من جهات حكومية قد تُؤّخر بيع بعض الأراضي، كوزارة العدل مثلاً وتأخُّرها في عدم البت في بعض الأراضي الجاهزة للبيع بعد تطويرها، أو وزارة الشؤون البلدية التي تتأخر في إصدار التراخيص المهمة لأجل بيع الأراضي المطورة». لكن السويلم يرى أيضاً أن أسباباً أخرى ربما تفعل أفاعيلها في صعوبات السكن، مثل إملاء شروط ملزمة ومرهقة على المطور، أو صعوبة إيصال الخدمات الأساسية من سفلتة وكهرباء وماء للمناطق المعدة للسكن.
أسهم الخسارة
لكن المواطن حسن الأسمري، يعيد الأزمة السكنية لفترة الأزمة في قطاع الأسهم عام 2006م: «منذ ذلك الانهيار الشهير، والمملكة تشهد ارتفاعات مستمرة في أسعار العقار عموماً، وخصوصاً في جانب الأراضي، وهذا الارتفاع جعل نسبة عالية تصل إلى 65% من المواطنين لا يستطيعون امتلاك منازل خاصة، ولا شك أن هذا مؤثر على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي».
ويرى الأسمري أن حالة من الحيرة والمعاناة سادت عقب انهيار الأسهم: «شريحة كبيرة من المواطنين أصبحت بين نارين: تعويض خسائرهم في الأسهم، ومحاولة امتلاك أرض أو شراء منزل».
آثار سالبة
وفي سياق يستجلي جوانب أخرى، أبدى إبراهيم العمري، موظف حكومي، قناعته بأن المنزل هو الأساس في الاستقرار الأسري، وأن غياب هذا العنصر يحمل آثاراً سالبة متعددة الاتجاهات: «الأسرة الممتلكة لمنزل ومسكن مناسب، تبدأ بصرف الجهود والأعمال إلى نتاجات مثمرة لها، وعدم العيش في ضغوط حياتية فترة زمنية طويلة للوصول إلى حق أساسي لها»، ويعتبر العمري أن التفكير بامتلاك المسكن يجعل رب الأسرة مُرهقاً فكرياً ومادياً سعياً إلى هذا الهدف المنشود. مضيفاً: «ولربما تدنت خيارات الأب فيما يتعلق بالمستوى الصحي والتعليمي المناسب له ولأسرته في سبيل امتلاك المنزل».
ويواصل: «هناك جانب مهم في القضية لا يمكننا إغفاله ألا وهو الجانب النفسي، فالتوتر والقلق المصاحبان لهذا الهدف يجلبان للأسرة المشاكل وعدم الاستقرار، وقد يؤديان لضياع الأسرة حيث الطلاق وسوء التربية والانحراف وغيرها من الآثار السلبية المتوالية والمترابطة مع بعضها البعض».
واختتم العمري حديثه مؤكداً أن غلاء أسعار الأرضي وارتفاع إيجارات المنازل، مع عدم توفير الفرصة للعيش في المدينة التي يرغب الشخص بالاستقرار فيها، كلها عوامل تجعل من فكرة امتلاك منزل مناسب ضرباً من المستحيل.
تقديرات وأرقام
التقديرات تشير إلى أن 40 % من المواطنين يملكون منازل؛ و60 % مستأجرون أو يسكنون مع آبائهم، فيما تقدر أعداد المساكن التي يجب إعادة بنائها بنحو 1.1 مليون وحدة سكنية.
والإحصاءات تشير، من جانبها، إلى أن 70 في المائة من المستأجرين في السعودية، يدفعون ما يعادل أربعة رواتب شهرية مقابل فاتورة السكن السنوية، ما يجعلهم غير قادرين على تملك وحدة سكنية خاصة بكل منهم.
مذيبات للأزمة
رصدنا ونحن نستقصي الأمر، رؤية من تحدثوا معنا حول تذويب المشكلة، والوصول لملاذات آمنة من آثارها، فكانت رؤية عبد الله السويلم، الذي ابتدرنا به التحقيق، أن هناك عدداً من الحلول قادرة على مواجهة الظاهرة منها فرض رسوم على الأراضي البيضاء الداخلة في النطاق العمراني، مع سرعة البت في القضايا المتعلقة ببعض المخططات التي لم يبق إلا عرضها للبيع قضائياً. وزاد حسن الأسمري مقترحاً العمل على تسهيل إجراءات المطورين العقاريين، وتحفيز الجهات المعنية لدعمهم بتحديد مساحات تناسب الأسرة السعودية وظروفها وتبدأ من 375م - 650م، والإسراع بتنفيذ مشاريع الإسكان المعتمدة.
أما إبراهيم العمري فيرى أن الحل يكمن في إجراءات صندوق التنمية العقاري الذي لا بد له من العمل على سرعة إقراض المواطنين، وتشجيع المطورين العقاريين والمقاولين لإنشاء شركات تجمع بين اقتصاديات البناء الحديث مادياً وفنياً، مع عدم إغفال دور وزارة الإسكان في توعية المواطن بمسألة السكن واختيار المناسب له، وتقديم المشورة والنصح فنياً لبناء منزل مناسب له، ووضع إدارة خاصة إرشادية للمجتمع للسؤال عن أي مشكلة أو أمر مستجد في هذا المجال.
لا.. للرسوم
لكن رأي السويلم بفرض رسوم على الأراضي البيضاء، وووجه باعتراض من العقاري عبد العزيز الثنيان: «هذا الحل غير مناسب، لأن اقتصاد البلد قائم بالدرجة الأولى على العقار والأسهم، إلا أن العقار أكثر أماناً، لكنه سيتضرر بلا شك إن فُرض مثل هذا القرار».
ويقر الثنيان بارتفاع أسعار العقار والمبالغة فيها، معتقداً بإمكانية عودتها إلى طبيعتها بعدة حلول: «أقترح قيام بنك التنمية العقاري بالتعاون مع الشركات العقارية ببناء مجمعات فلل وشقق بمساحات مختلفة، وعرضها للمتقدمين لطلب القرض كل حسب إمكانياته، وبهذا ستقل الحاجة والطلب على الشراء والإيجار، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الأسعار تمشياً مع نظرية العرض والطلب المعروفة».
إلا أن المطور العقاري مالك مؤسسة الفوارس للعقارات والمقاولات عبد الله الزهراني طالب بالتوازن فيما يخص فرض رسوم على الأرضي البيضاء: «قرار مثل هذا لا بد أن يطبق بتوازن، بمعنى عدم تطبيقه على الأراضي المعدة للاستخدام الشخصي، بل على الأملاك التي تبلغ مساحاتها 10,000 متر مربع فأكثر، فمثل هذه المساحات عادة ما تكون معدة للاستثمار، كما أرى إيجاد بدائل مثل إنشاء الضواحي المستقلة على أطراف المدن، فهذا سيساهم في انخفاض أسعار العقار داخل المدن ذاتها».