على الرغم من نشأته المتواضعة فإنه تعلم من والده، الذي كان يعمل أجيراً لدى الغير مقابل قروش معدودة، أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع.. فجعلها ديدنه في حياته.. عرف الجميع سلاطة لسانه وفحش عدائه.. فتجنبه الجميع اتقاء شره..
دفعه ذلك إلى أن ينال في القرية مكاناً لا يصله مثله إلا من تسلح بالمال.. أو نال حظوة السلطة.. تقرب من سيد البلد.. فقربه إذ وجد فيه ما ينفعه.. فتارة يحضه على سب من له معه عداوة.. وتارة يوكل له من المهام ما يأنف رجاله من فعله لوضاعته وتدنيه.. فكان يخلص في عمله ويبدع في وسائله الشيطانية حتى نال حظوة السيد.. لكن الأمور لا تجري كما يشاء المرء.. فقد تبدلت أحوال القرية.. ورحل سيدها ذات صباح بعد أن كثر الأعداء.. وفر الرفاق.. فوجد صاحبنا نفسه وحيداً.. وسرعان ما أدرك أن الانتقام قادم لا محالة.. فأسرع وارتدى ملابس المهرج.. وخرج للناس يخلط الجد بالهزل.. ويجتهد في محو الصورة التي عرفها الجميع عنه.. تجمع الصبية من حوله.. ودار في القرية موكبه الهزيل.. لكن الناس أعرضت عنه.. بل سبوه بأقذع الألفاظ.. فما كان منه إلا أن زاد في مجونه.. واندفع رافعاً صوته بالسباب.. والغناء.. ولما لم يتوقف صخب الناس.. أخذ يخلع ملابسه قطعة قطعة.. حتى تجرد منها..
توارى الناس خجلاً مما يفعله.. انصرف الصبية وقد احمرت منهم الوجوه.. لكنه استمر سائراً في طريقه.. عارياً تماماً.. لكنه أبداً.. لم يشعر بالخجل.
هشام السحار