أتذكر أن أول انطلاقة لي للإبداع كانت في المدرسة.. وأول جائزة أذكرها هي تلك التي حصلتُ عليها لتفوقي في الصف الأول، وأن مَنْ رشَّحتني لزيارة وزير التربية والتعليم الكويتي بمناسبة عام الطفل هي مديرة مدرستي الابتدائية السيدة شيخة الشطي، ومن صقلت موهبتي الإذاعية هي من مدرسات مدرستي كذلك، ومن تعلمت منها وكانت قدوة لي في محبة الناس وخدمة مجتمعي هي إحدى معلماتي الفاضلات، ومن دفعني للرسم معلمة، ومن ومن ومن... حيث لن يتسع المجال هنا لتعداد معلمات رائعات لم يقتصر دورهن على تلقين المواد الدراسية بل تعدى هذا إلى مفهوم أكبر هو التربية والدافع للإبداع ورعاية الموهبة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما المؤهل الحقيقي للمعلمين في مدارسنا اليوم؟ أهو فقط مؤهل أكاديمي؟ أم أن هناك مؤهلاً آخر في التربية وعلم النفس لا بد أن يتواكب معه؟
ما مدى حاجة طلابنا إلى معلم لا تقتصر وظيفته على التدريس بل تجتمع المهنة مع واجبه الإنساني والمجتمعيّ؟
ما مدى حاجتنا إلى معلم يلتمس مواهب تلاميذه ومن ثم يرعى هذه الموهبة ويوجهها ويصقلها؛ لذلك نحن نجد مبدعين في العالم كان وراءهم مدرسون تنبهوا باكراً لمواهبهم ورعوها من خلال المتابعة والتشجيع والدفع بتلاميذهم للمشاركة بالمسابقات وغيرها.
نحتاج إلى معلم أو معلمة لا يقتصر دورهما على تعليم العلوم أو تلقينها بل يتحقق بهما مفهوم الوزارة التي تحمل مصطلح التربية قبل التعليم.
فهل يا ترى تمتلئ تلك الغرف الكثيرة في المدرسة بأشخاص كفء يحققون المسميات الوظيفية التي يحملونها مثل المرشدة الطلابية، مدرسة النشاط، الأخصائية الاجتماعية و...؟
لعل ما دفعني لكتابة هذا المقال معلمة رائعة من بنات المملكة، أحببت من خلال عملها وإخلاصها وأمومتها ومتابعتها تخصصها الذي شعرت حقاً بمفهومه الحقيقي من خلال ممارستها له وحرصها على نفسية طالباتها والتواصل مع أسرهن وتحليل المشكلة وإيجاد الحلول.. وإنني أحيي من هنا سعادة الأستاذة الفاضلة الأخصائية الاجتماعية نادية التويم، التي يقول عملها إن الدنيا بخير، والمدارس هي مدارس تربية وحياة وعلم ومعرفة.
أجمل الذكريات هي تلك التي نحملها من مناهل الطفولة من المراحل التعليمية الأولى في الحياة، والقدوة التي نحتفظ بها العمر هي ملامح لأستاذ أو معلمة نقضي معهما أكثر مما نقضي مع أسرتنا في البيت، بل نظل نردد (الأستاذ قال كذا) أو (الأبلة قالت كذا).
الوعي اليوم صار أكبر وأعمق، سواء وعي المعلم أو الأسرة أو المدرسة، الرقابة باتت أكبر على المدارس، والمعلم الذي يستعمل أسلوب الضرب أو الشتم صار نادراً، ووسائل الاتصال والرسائل التي تصل الأهل فعَّلت التواصل مع الأهل والمدرسة مع الأسرة.
المعلم هو أستاذ يعلّم المواد للتلاميذ، هو عائلة يغمر التلميذ بعطفه ورعايته، ومحلل نفسي يتعامل مع كل طالب حسب نفسيته، هو صاحب رسالة تقوم عليه مسؤولية تنشئة النشء، وسيترك بصمة وأثراً في أجيال ستكون كل المستقبل وعماد الوطن، فما السبيل يا ترى لتأهيل مدرسين ومدرسات في أهم مؤسسة في المجتمع؟ تأهيلهم بوصفهم تربويين ومدرسين. ما السبيل لتفعيل حصص النشاط المدرسي التي ينبثق منها مواهب واعدة وطاقات إبداعية ومبتكرات خلاقة؟ ما السبل لترجمة وظيفة المرشد الطلابي أو الأخصائي الاجتماعي الذي يمكنه اكتشاف الخلل الأسري أو النفسي للطفل في وقت مبكر، ومن ثم تلافي الكبت العاطفي أو الانحراف الذي قد يهدد الطفل؟
كل هذه الأسئلة أضعها بين يديك عزيزي القارئ؛ لنضع بعض الأمور في إطار الضوء والبحث.
من آخر البحر:
الشوق.. قبلة غيمةٍ حانية على أديم القلب
فإن طال انتظارها
تحول أنياباً تقيس وجع الحنين
mysoonabubaker@yahoo.com