هذا العنوان اسم لكتاب ألفه يوسف مروّة صدر في طبعته الأولى في بيروت عام 1387هـ/ 1968م عن دار ومكتبة الهلال بيروت، يقول سبحانه وتعالى {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } سورة الأنعام(38) فهو معجز في كل عصر بما يناسبه، فالعرب عند نزوله أعجزهم ببلاغته
وفصاحته، وفي العصر الحاضر بعالميته وشموله، فما من شيء يحدث أو يطرأ في علوم البشر والطبيعية والطبية منها، إلا وتبرز الشواهد من القرآن الكريم، والدلالات، يعجز ويبهر.
وهذا الكتاب الذي كشف فيه المؤلف، عن العلوم الطبيعية، له نظائر في كل باب من أبواب المعرفة، إذ اهتمت جامعة الملك فهد للبترول بهذا الجانب، وأصدرت كتباً ونشرات ومحاضرات، تزخر بها المكتبات العلمية، ومراكز البحث، وقبل أن أسير مع القارئ، خطوات علمية مستمدة من القرآن الكريم، فإنني سأورد موقفاً مع أشهر طبيب وجراح فرنسي هو موريس بوكاي، الذي أجرى للملك فيصل رحمه الله عملية جراحية ناجحة، ويقول في نفسه: إذا وافقني الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية، فهذا أكبرنصر لي ولنشر النصرانية في ديار المسلمين.
يقال هذا: لكل من مرّ وعالجه من المسلمين، وشرفي يعرض عليه الشبهات، فقال كما روى عنه الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المغربي، فقابله وقال له: أرجو من فضلك أن تحدثنا بسبب تأليفك، لكتابك: التوراة والإنجيل والقرآن، في نظر العلم العصري، فشرع يتكلم في الموضوع، فقال عن نفسه لي إنه كان من أشد أعداء القرآن، الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان كلما جاءني مريض مسلم محتاج إلى علاج جراحي أعالجه فإذا تم علاجه وشفي، أقول له: ماذا تقول في القرآن، هل هو من الله تعالى أنزله على محمد، أم هو من كلام محمد، نسبه إل الله افتراء عليه؟ قال: فيجيبني هو من الله، ومحمد صادق، فأقول له: أنا أعتقد أنه ليس من الله، ومحمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ وليس صادقاً فيسكت، ومضيت على ذلك زمناً، حتى جاء إلي الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية، فعالجته علاجاً جراحياً، حتى شفي، فألقيت عليه السؤال المتقدم ذكره، فأجابني: بأن القرآن حق، وأن محمداً رسول الله صادق، قال: فقلت له: أنا لا أعتقد صدقه، فقال لي الملك فيصل: هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم قرأته مراراً وتأملته. فقال لي الملك فيصل: هل قرأته بلغته، أم بغير لغته؟ أي بالترجمة. فقلت: أنا ما قرأته بلغته، بل قرأته بالترجمة فقط، فقال: إذاً أنت تقلد للمترجم، والمقلد لا علم له، إذ لم يطلع على الحقيقة، لكنه أخبر بشيء فصدقه، والمترجم ليس معصوماً منه الخطأ، والتّحريف عمدًا.
فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية وتقرأ بها، وأنا أرجو أن يتبدل أعتقادك هذا الخاطئ، قال: فتعجبت من جوابه، فقلت له: سألت كثيراً قبلك من المسلمين، فلم أجد هذا إلا عندك، ووضعت يدي في يده وعاهدته على أن لا أتكلم في القرآن، ولا في محمد إلا إذا تعلمت اللغة العربية، وأمعنت النظر فيه، حتى تظهر لي النتيجة بالتصديق أو التكذيب، فذهبت من يومي ذلك، إلى الجامعة الكبرى بباريس، إلى قسم اللغة العربية، واتفقت مع أستاذ بالأجرة، أن يأتيني كل يوم إلى بيتي، ويعلمني اللغة العربية، ساعة واحدة كل يوم، حتى يوم الأحد، الذي هو يوم الراحة، ومضيت على هذا سنتين كاملتين، لم تفتني ساعة واحدة فتلقيت 730 درساً، وقرأت القرآن بإمعان، ووجدته معيبا، هو الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله، لا يزيد حرف ولا ينقص، أما التوراة والإنجيل الأربعة، ففيها كذب كثير، لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها، وأورد نماذج مما كذبوه على أنبياء الله عليهم السلام (أخبرني بهذا الشيخ د. محمد الهلالي، فطلبتها منه كتابة وزاد فيها ونشرت في مجلة البحوث الإسلامية، وأن موريس بوكاي ألف كتباً منها: التوراة والإنجيل والقرآن مدح حفظ الله للقرآن، وبين عيوب التوراة وما فيها من كذب) وقد ألقى محاضرات عديدة في أوروبا، وأسلم بإسلامه خلق كثير.
وعودة لكتاب يوسف مروة المكون من 282 صفحة من القطع المتوسط، الذي بدأه بالإهداء إلى الفقهاء والعلماء: أرفع هذه الفصول، وبعدها توضيح عن كتبه، وترجمة لحياته حيث ولد بالنبطية في لبنان عام 1924م ومراحل دراسته وأبحاثه العلمية والذرية.
الكتاب قبل المقدمة، زكاة ثلاثة، وأتبعها بمقدمة تبدأ من ص67، ثم بدأ بموضوعه الذي جاء في فصول ستة.
الفصل الأول القرآن دين وعلم قال فيه: المعروف تاريخياً أن الإسلام حرك أفكار المؤمنين، به وأنار عقولهم، وأضاء أفئدتهم، وأثار فضولهم، فانطلقت به شعلة العلم بينهم كالنار في الهشيم، وصارت المباحث العلمية والدينية كلاً واحداً، كاملاً متناسقاً ومتواسياً، وأصبحت المساجد بمثابة معاهد علمية والمعاهد بمثابة مساجد، لا فارق بين هذه وتلك، وحدث مراراً في التاريخ الإسلامي أن جلس علماء الفلك في باحة المسجد وأمامهم كتب الفلك “مثل المجطي” يتناقشون ويتناظرون، ثم تحدث عن علم الفلك والنجوم يتناقشون، مستشهدين بآيات من القرآن مثل{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (269) سورة البقرة.
ثم يقول: ومن السور القرآنية، ما يحمل أسماء بعض الموضوعات الفيزيائية، والفلكية والأحداث الكونية، مثل النور والرعد والدخان والنجم والقمر..وعد منها مجموعة تقارب الثلاثين، وجاء بإحصائية: فالرياضيات 61 آية والفيزياء 64 آية، والذرة 5 آيات، والكيمياء 9 آيات، والنسبية 62آية، والفلك 100 آية، والرياضيات 57 آية، وعلم الفضاء 11 آية، وأورد 19 علماً كلها جاء لها ذكر في القرآن الكريم (ص76 -77). ثم استشهد بآراء وأفكار حول القرآن من عشرين من علماء الغرب والشرق (79-82).
والفصل الثاني: عن العلوم الحديثة في القرآن، حيث يحتوي على آيات كثيرة، تدعو الإنسان إلى درس الكون والحياة من كل نواحيها، وتشمل الآيات: العلوم الطبيعية والتطبيقية، فيمكن للفيزيائي والكيميائي والجيولوجي وغيرهم أن يرجعوا إليه في أبحاثهم، بل إن الفيزيائيين، والكيميائيين والفلكيين والجيولوجيين عندما يقرأون القرآن، لا يرون فيه أي تناقض بين أبحاثهم وتجاربهم، وبين الأفكار والمرامي العلمية التي تحملها الآيات القرآنية، في موضوعات اختصامهم، ذلك أن القرآن كتاب إلهي { لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} (49) سورة الكهف.
إن الغاية الرئيسة من هذه الفصول المتواضعة هي:
- أن نثبت للمتزمتين والمتعصبين ضد طلب العلوم الطبيعية الحديثة، أن القرآن الكريم قد دعا وشدد في طلب جميع العلوم الدينية والطبيعية بلا استثناء (ص83-85).
- ووضع عنواناً باسم العلم أورد تحته ما يرب من 200آية، منها في الفيزياء قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ* وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء }
وفي التسجيل الكهروطيسي “الكهربائي المغناطيسي” هذه الآية: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، وعن ذبذبات الصوت الآية: {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } وعلى النقل البعيد أورد هذه الآية {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} الآيات الثلاث في سورة النمل 38-39-40)، وعلى الإنفجارات النووية أورد هذه الآية: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (10-11) سورة الدخان.
وهكذا يسير في استشهاده العشرات من الآيات الكريمات على العلوم الطبيعية (86-158).
وقال عنها: هذا مجموعة آيات بينات، ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر، تدل دلالة واضحة على مدى اهتمام القرآن بالعلوم التطبيقية والطبيعية، ودعوته الصريحة للتفكر والدرس والتعلم، والتذكر وأن التعمق بدراسة هذه الآيات يحتاج إلى مجلدات وموسوعات (ص159).
وجعل الفصل الثالث للذرة في القرآن، ذلك أن الباحثين يرون أن فكرة الذرة قديمة جداً ، فقد ذكر المؤرخ اليوناني القديم، (بوسيدونيس) وهو من أكبر الثقات في التاريخ القديم، وصاحب مدرسة شهيرة في جزيرة رودس.. ثم أورد شاهداً في مدرسة عن العلوم الكونية في مجال الذرة مستشهداً بخمس آيات منها قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7-8) سورة الزلزلة.
والفصل الرابع جعله عن غزو الفضاء في القرآن، وبعدأن تحدث فيه بأكثر من ثمان صفحات، قيدها بآيات ست من القرآن كشواهد، منها قوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} (ص167-172).
وأورد شواهد على النظرية النسبية في القرآن (ص175-176) وختم كتابه بملحقين الأول بآراء حول الدين والعلم في الإسلام الأول ليد راء 50 من علماء الغرب عن علوم الإسلام وحضارته ص (241-260) والثاني آراء حول الإسلام ص (261-274) تبين مكانة الإسلام وحضارته وعلومه.
والناشر في الصفحة الأخيرة من الغلاف، بيّن فيها عن هذا الكتاب، ودعوته للإيمان الصادق.