ما إن صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بتنفيذ مشروع النقل العام في مدينة الرياض لفك الاختناقات والزنقات حتى انهمك القوم في مجالسهم في مداولات وحوارات صاخبة تلف وتدور في مجملها حول جدوى المشروع، وأي الشرائح من السكان ستظفر بنصيب الأسد وتقطف الثمار أكثر من غيرها وكأن عربات النقل وحافلاته صممت من أجل استيعابها، أما البقية من الشرائح فلهم الفرجة على شكل العربات والحافلات وهي تسير ذهابا وإيابا في مهامها اليومية لنقل الركاب بين المحطات المتناثرة على طرقها الطويلة التي تعبر أحياء الرياض وشوارعها المتخمة بالبشر والسيارات. هناك من يرى أن الشريحة المستفيدة هي الشريحة العريضة من العمالة الأجنبية وبالذات العمالة المشتغلة في الأعمال الخدمية استناداً على المؤشرات الحالية، فالعمالة هم أكثر زبائن سيارات الأجرة وباصات خط البلدة العتيقة ربما لأنهم لا يمتلكون سيارات خاصة، أو أن سياراتهم قديمة ومتهالكة وبالتأكيد سيبحثون عن وسائل نقل أسرع وأقل تكلفة، أو لأن منهم من نشأ وتشرب ثقافة النقل العام في بلدانهم رغم تواضع بعضها إلا أن هذه الثقافة متأصلة فيهم من الصغر بسبب الفقر وقلة الحيلة والغلاء الفاحش لأسعار الوقود وارتفاع أسعار السيارات وبالتالي الجود من الموجود، من يرون هذا الرأي لا يجدون حرجاً أو ممانعة فعلى حد قول غالبيتهم، “على الأقل يخففون الزحمة عن الشوارع ونفتك من سياراتهم الخردة التي تحولت إلى مصائد خطرة بما تحمله من حديد وأخشاب وأسلاك شائكة وطوب وأحجار ومعدات وجلايات بلاط “، وكما يعلق البعض بأن الفرصة حينها ستكون مواتية للمرور لمنع هذه النوعيات من السيارات وإيقاف الرخص لإجبار أصحاب الدخول المحدودة من العمالة لركوب القطارات والباصات، ثمة رأي يذهب إلى أن شريحة لا بأس بها من المواطنين سيكون النقل بصورته الجديدة منقذاً لهم من الوضع غير الجيد الذي يعيشون فيه نتيجة عدم وجود من ينقلهم في مشاويرهم اليومية وخاصة النساء الأرامل والعاملات والمقطوعين من شجرة ومن لاعائل لهم إلا الله، بالتأكيد لن يركب في النقل الهوامير الكبار من ذوي الدخول المرتفعة حتى ولو مرت الحافلات والقطارات من أمام منازلهم، وحتى لو وضعت لهم أجنحة خاصة فيها وخدمة راقية من فئة الخمس نجوم وخدم وحشم ومواعيد خاصة.
ثقافة النقل العام لدينا نحن السعوديين لا زالت صفراً أو هي تحت الصفر بكثير، فما زالت خصوصية العائلة السعودية مسيطرة على العقول، والكل يرى أن استخدامه لسيارته الخاصة سيمنحه الحرية الكاملة في الحركة والتنقل من مكان لآخر، وهذه الثقافة هي أحد العوامل الرئيسية للازدحام المروري، فأصبحنا وأمسينا وبتنا نشاهد الآف السيارات العابرة للشوارع وفي كل سيارة نفر واحد، ما الفائدة من نقل لن يستفيد منه المواطن؟ ولعل الفائدة العظيمة ستظهر مستقبلاً فيما لو نجح المشروع في نقل آلاف الطلاب والطالبات إلى الجامعات والمدارس، ونقل المعلمات إلى مقار أعمالهن على الأقل نتخلص من باصات النقل الخاصة المملوكة للشركات والأجانب، لكن النجاح مرهون بزرع ثقافة جديدة، ومرهون بوجود المحطات قريبا من الأحياء السكنية، وبإقرار تكلفة مادية مناسبة للفرد العادي، وببرمجة مواعيد على مدار الساعة، قبل تنفيذ المشروع لابد أن يستفيد مخططه من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15