رغم تراجع وتوقف الكثير عن التعامل مع الفيس بوك، ومن بينهم المهتمون محليًا بمجال الفنون التشكيلية، لعدم وجود القدر الكافي من الطرح الناضج في وجهات النظر أو التعليق على رأي، إلا من إشارة لخبر.. أو حدث تشكيلي أما غير ذلك فقد ضاع في مهب الريح دافعًا للشعور بالغثيان، فمن خلال مروري القليل (جدًا) لم أعد أجد إلا ثلة من الشباب، وقلة من الكبار (إبداعًا وعمرًا زمنيًا) مما زاد فترات مروري على تلك الصفحات تباعدًا، قد يتجاوز الأشهر نتيجة ما أشاهده من ابتذال من بعض الشباب لأنفسهم، هذه المشاهد المقززة تتمثل في المجاملات التي أقل ما يمكن وصفها (بالسخيفة) من بعض التشكيليين للشابات من التشكيليات، وتعليق هؤلاء الشباب على ما يعرض من صور لأعمالهن المتدنية المستوى وغير المكتملة في بناء العمل، ووصفهن بالفنانات الكبار، الممتلكات لمواهب عظيمة سيكون لهن بها شأن عظيم (حسب رأي أولئك الشباب)..
أما الأكثر دفعًا للاشمئزاز، فهو في كثرة نشر من دخلوا ساحة الفن بلا عقول مدركة.. أو فكر نيّر.. أو عتاد بارز في القدرات على التعامل مع سبل التعبير، المتبارين والمتنافسين في نشر صور لوحاتهم، ومناسباتهم الفنية رغم ضآلتها وعدم أهميتها في رفع قيمة الفن وفنانيه وصولاً إلى المناسبات العائلية.
وإذا كان الجميع، وأنا منهم مؤمنًا بأن مثل هذه المساحة من سبل الاستعراض والنشر ملك للجميع، فإنني أيضًا مع من يرى في أن بعض ما يحدث فيها يمثل نوعًا من الابتذال وتكرار الذات وإكراه المتابع على مشاهدة ما يرمى إليه رغم ضعفه شكلاً ومضمونًا، كشف المستور في تدني ثقافتنا التشكيلية أمام الرأي العام العالمي، إذا علمنا أن ما ينشر في هذه الصفحات يقرأ في كل مكان، هذه المشاهد التي يعتقد أولئك الشباب أنها فرصة للانتشار تعد مبعثًا للملل المؤدي إلى غض الطرف، ووصف من يقوم بها بالنرجسية والبحث عن الحضور (الافتراضي)، بينما ينكشف الفرق في الإقبال على مشاهدة أي عمل عند عرض الصور بمسافات زمنية متباعدة، تزيد من اشتياق المتابع لرؤية الجديد لهذا الفنان أو ذاك.
هذه اللعبة الخطرة في التعامل مع الإعلام أي كانت وسيلته يذكرني بالمقولة (إن الإعلام كالأسد إن لم تحسن ترويضه والتعامل معه بذكاء فستكون فريسة له)، ولنا في الكثير والكثير من الفنانين المعروفين بإبداعاتهم التي لا تملها العين، ولا تفارق الذاكرة بعد مشاهدتها، لا نراها إلا في معارضهم، وأن نشر شيء منها فهو في خبر جديد عنهم، أو في موقع خاص بالفنان، أو عبر ومضات يسهم بها بين حين وآخر تزيد من شغف المشاهد وتجعله مترقبًا مثل هذا الحضور، هذا الأسلوب من احترام الفنان لإبداعه واختياره للوقت والمناسبة الذي يحقق فيه الإعجاب والتقدير، لا يفهمه إلا الفنانون المعاصرون للإعلام، الكاشفون للجوانب الإيجابية والسلبية فيه، وكيفية القيام معه بلعبة الفراشة والشمعة، فلا اقتراب يؤدي إلى احتراق أجنحتها ولا ابتعاد يجعلها تعيش في الظلام.
monif@hotmail.com