سمعت التصريحات التي قالها عبدالمحسن العبيكان مؤخرا، وقد شعرت بأنه كان يحاول استغفالي، ولا شئ يستفز مكامن العقل في الإنسان أكثر من محاولة استغفاله، والضحك عليه، خصوصا إذا تم ذلك عن طريق استدعاء المشاعر الدينية، لأن لا شيء أكثر سوءا من استخدام الدين للانتقام، والحصول على مصالح شخصية ضيقة، فماذا تراه قال؟.
لقد طفق يتحدث بعبارات منمقة عن علاقته بخادم الحرمين الشريفين، ثم يعقب ذلك بإسقاطات غبية ظنا منه أن مثل هذا التلاعب البلاغي الرديء سينطلي على الناس، الذين يفوقونه وعيا بمراحل، وكأنه لا يعلم أن الإساءة إلى رمز الوطن خط أحمر لدى كافة شرائح المجتمع، وابن عبيكان يخالف بهذا كل أعراف «الأخلاق» الأصيلة، فخادم الحرمين هو الذي أخرجه من غياهب النسيان إلى حيث المنصب الذي لم يحلم به يوما، وقد تحذلق ابن عبيكان في الحديث عن قوى خفية تحاول جر الوطن إلى المجهول، متناسيا - عمدا - أن «حبل الرسن» في كل ما يتعلق بإدارة هذا الوطن الشاسع هو بيد ملك البلاد، والذي لا تفوته شاردة ولا واردة، وهذا ينم عن شخصية مضطربة تقول شيئا اليوم، مناقضا تماما لما كانت تقوله على مدى سنوات، ولكن مهلا، فهذه ليست كل الحكاية.
يقول العبيكان إن هناك خططا لإسقاط القضاء الشرعي واستبداله بالقوانين الوضعية، ثم يضيف نصا: «وقد سللت على هؤلاء المفسدين سيفا كسرت غمده»، وهذا يعني أنه قرر «الجهاد» على هؤلاء الأعداء، الذين لا وجود لهم إلا في مخيلته، لأن علماءنا الحقيقيين الأجلاء في هيئة كبار العلماء الموقرة - وهو لم ولن يكون منهم - لم يقولوا بمثل هذا، ولم يسلوا سيوفهم على أحد، والمثير حد السخرية هو أن من سل سيفه لجهاد أعداء الداخل هو ذاته من وقف بقـوة ضد جهاد الاحتلال الأمريكي في العراق والإسرائيلي في فلسطين، فقد قال في قناة أم بي سي في 21 أغسطس 2004 إن: «الرضوخ للقوات الأمريكية في العراق هو الحق، لأن القوم جاؤوا محررين لا غـازيـن!». هذا، مع أن منظمات حقوق الإنسان «الكافرة» كانت حينها تؤكد جرائم الاحتلال الأمريكي، وأهمها القتل والاغتصاب، ثم تجاوز كل الحدود عندما حث العراقيين على وجوب طاعة ولي الأمر، والذي كان وقتها المسيحي بول بريمر، المعين بأمر المسيحي الآخر بوش الابن!،علما بأنه كان أفتى قبل ذلك بأن المقاومة الفلسطينية غير مشروعة دون إذن ولي الأمر، ولا ندري هل كان يقصد بولي الأمر عرفات أو شارون!.
أضف إلى هذا أن العبيكان، الذي يحذر من انتهاك القضاء، هو أول من طالب بمسألة تقنين الفقه على شكل مواد وإلزام القضاة بها منعا للتلاعب (لقاء صحفي في 20-6-1426)، ولم يكن لائقا أن يصف القضاة الموقرين، ومنهم قضاة تمييز أفنوا أعمارهم في حقل العدالة «بالتلاعب»، وهذا يدل على عدم احترامه لحقل القضاء وأهل العدالة!.
وختاما، يقول: «إن هناك من يتهمني بأني قلت كل هذا لرغبتي في منصب، وأنا الآن بمرتبة وزير»، ونقول له: «هناك فرق بين وزير - قد يستشار وقد لا يستشار-، وبين وزير يساهم بفعالية في الحراك التنموي، ولو قلت ما قلت قبل أن يطير منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء فلربما اكتسبت شيئا من المصداقية، فاحترم عقولنا يرحمك الله».
فاصلة:
«من الأفضل أن تكون انتهازيا وتكسب على أن تغرق مع مبادئك في القاع».. ستانلي بولدن.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2