«أرسلْ حكيماً ولا توصه».. قاعدة لاختيارك من يمثِّلك.. ولمن ينوب عنك..
فهو بحكمته سيتدبّر المواقف، وينتقي الأقوال، ويتخذ القرار، ويبدأ الدور، وينهي الرأي..
هو من لا تختلف مع رسالته, ولا يخطئه ظنّك.. ولا يعود بخيبتك..
والعربي ذاته كان حكيماً..،
لذا خلَّف درراً من الأقوال التي ذهبت أمثلة، وحكماً، ومفاتيح ..
ناهيك عن الأدوار، والمواقف، الشاهدة له على الرجاحة، والوعي، والحضور، واللماحية .. والفطنة والذكاء.., والأنفة، والاعتزاز، والإيثار، والكرامة، والصمود، والتضحية، والحق، والعدل.. والصدق والشهامة،..!
وهو قد ترك إرثاً للأجيال في مختلف الحقب، والمراحل... من نماذج للاقتداء بها، أي به..
فسِجلُّ التاريخ يحفل به، في شعره, ونثره، وخطبه، ومراسلاته، وجميل ما تركه يعبق به التاريخ، والأسفار.., والقصص، والرواة..,!!
ومع ذلك، فإنّ العربي لم يهمل لغته فقط، حين يتأسّى اللغويون على العربية بكلِّ فنونها، وعلومها..
ولم يجافِ مصادره في الفكر..، والأدب.., والتربية..، والدين..، والتنشئة..، و.. و.. كل ما يحفظه له السجل بإنسانه..، وبتركاته..!
بل تجافى عن ذاته..
وتنكّر لهويته..
تخلص من لحمها، وعظمها، وعطرها، وغذائها..
تغرَّب.., ويتغرَّبُ ليس في عوج لسانه، وشكل بيانه، ومضمون كلامه، فقط ..
بل في مظهر ملبسه، ولون مأكله..، وجادة فكره ومسلكه..، والأبعد في ثقته بنفسه ..
والأكثر مأساة أنه فقد ديوان حكمته، ومعجم كلامه، وسِفْر تاريخ حضوره، وألمعيته..
فقد تنكَّب عن النهج.. وتنكَّر للمنهج..
ولم يَعُد له رسولٌ يطمئن لحكمته، ولا يثق في دوره، أو يشد به عزمه..
إذ لم يَعُد هو الحكيم ذاته..!
يخشى عليه من تيارات الدنيا التي أخذته لضفافها، وأبعدته عن إرثه العظيم الثري في شؤون الشخصية، والذهنية، ومن ثم ضلّت حكمته، لأنه فرّط فيها، وعفر سجلها تراب الزمن.. لتجافيه عنه مظانها..!
فإلى أين ستأخذه غربته..؟
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855