زئيف لينشينر *
اعتداء الضابط الإسرائيلي على الناشط الدنماركي في منطقة أريحا كشف مدى التدهور الأخلاقي لدولة إسرائيل. أسهل شيء نفعله نحن الإسرائيليين هو القفز إلى النتائج وتوجيه الاتهامات قبل أن تتضح كل ظروف حادث اعتداء ضابط الجيش الإسرائيلي على ناشط يساري دنماركي.
ليس هذا فحسب، بل هناك ما هو أسهل وهو الاختفاء وراء التفاصيل التي قد تظهر أو الحجج التي قد يتم تقديمها من نوعية الاستفزاز من جانب النشطاء المسالمين أو أنه كان يوما عصيبا أو أن المناخ الدافئ يثير النفوس لكي نبرر هذا العمل الوحشي.
ولكن الحقيقة الوحيدة المؤسفة التي لن تتلاشى بسهولة هي أن بلطجي يرتدي الزي الرسمي لرتبة ليفتنانت كولونيل في الجيش الإسرائيلي اعتدى على محتج سلمي بمسدس من ترسانة الجيش الإسرائيلي. هذه سقطة أخلاقية لا يمكن لمجتمع له أخلاق أن يتسامح معها وبالطبع لا يمكن لمثل هذا المجتمع أن يقبلها.
بلمحة واحدة قدم لنا الليفتنانت كولونيل أيزنر ترجمة جديدة ومروعة لمصطلح «نقاء الجيوش». هذه الفكرة المزعجة التي لا تجعلنا نندهش من مثل هذه الحوادث التي تقع باستمرار في بلادنا أو في الأراضي الخاضعة لسيطرتنا تحت أنفنا ولكن ليس تحت نظر عدسات آلات التصوير.
كثير من الاحتقار يرافق تلك الكلمات السابقة وهذا ليس مصادفة. فأي دراسة تاريخية لهذه الأيام سوف تستهدف اكتشاف متى على وجه التحديد حدث هذا التحول الأخلاقي في إسرائيل لتصبح مجتمعا منافقا؟!
يكشف رصد مداخلات مشاهدي وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت في إسرائيل عن تعاطف شعبي كبير مع ما قام به الليفتنانت كولونيل أيزنر. فقد تراوحت التعليقات بين «دنماركي قذر يستحق ما حدث له» في إشارة إلى الناشط الدنماركي الذي اعتدى عليه الضابط الإسرائيلي وبين «أيزنر رجل حقيقي». ليس هذا فحسب بل إن سبب الاحتجاج الشائع بين القلة التي عارضت عمل الضابط الإسرائيلي جاء من زاوية العلاقات العامة والتأثير السلبي لهذا العمل على صورة إسرائيل وليس من زاوية أخلاقية. فهؤلاء المحتجون يقولون على سبيل المثال إنها كانت حماقة كبرى أن يقدم ضابط في الجيش الإسرائيلي على هذا الفعل أمام آلات التصوير فيدمر صورة إسرائيل (الدولة المتفوقة كما نقول).
لا شك أن الصور التي تم التقاطها لاعتداءات أفراد الجيش الإسرائيلي على النشطاء المتضامنين مع الفلسطينيين في منطقة أريحا يسبب ضررا كبيرا لصورة إسرائيل وهو ما حدث بالفعل. المفارقة أن ما يثير قلق مواطني إسرائيل هو أن العالم سوف يشاهد هذه الصور عبر شاشات التلفزيون ويكون وجهة نظر سلبية عن إسرائيل، وليس حقيقة أن ليفتنانت كولونيل في الجيش الإسرائيلي يتصرف مثلما يتصرف أي بلطجي تابع للجيش السوري في مدينة حمص.
والحقيقة أن ما حدث فرصة كبيرة لكي نعيد التفكير في أنفسنا. كيف تحولنا إلى دولة يعتدي فيها ضابط جيش على محتج مسالم يركب دراجة حتى لو كان هذا المحتج أحمق ومزعج ثم لا نرى فيما حدث من جانب الضابط جريمة؟
ربما يكون هذا تطورا طبيعيا في دولة مصابة بالرعب إلى درجة أنها قامت بترحيل المحتجين الأجانب بصورة جماعية بدلا من أن تتركهم يتظاهرون كما يريدون في الضفة الغربية. وبعد ذلك مازلنا نردد مقولة إننا الدولة الوحيدة الديمقراطية في الشرق الأوسط. فهل نحن كذلك بالفعل؟
إن الضربة التي وجهها الليفتنانت كولونيل إلى المحتج الدنماركي مؤلمة وضارة جدا بصورة خاصة لأنها جاءت من جانب ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي وليس من جانب جندي أو ضابط صغير عديم الخبرة. إنها حادثة صعبة ومؤلمة أيضا بسبب الهدف الذي أصابته. فهي لم تصب فقط وجه الناشط الدنماركي وإنما أصابت وجوهنا جميعا. فما علينا إلا النظر للمرآة مرة ثانية لكي نرى وجه إسرائيل القبيح.
*(يديعوت أحرنوت) العبرية