تشارلز كروتهامر *
في العام الماضي أمر الرئيس أوباما بالتدخل الأمريكي في ليبيا بعد أن هدد معمر القذافي بارتكاب مذابح في بنغازي، فالوقوف موقف المتفرج وعدم فعل شيء «ربما يكون خيانة لأنفسنا»، بحسب تعبيرات الرئيس أوباما، ولكن منذ ذلك الحين فعلت الحكومة السورية أكثر من التهديد بمذابح، فقد نفذتها بالفعل، فلم يكن هناك شك بشأن اختفاء أو إعدام الأشخاص أو القصف العشوائي لأحياء سكنية بأكملها، فقد لقي أكثر من 10 آلاف شخص مصرعهم، وقد صرح أوباما بأننا لا نستطيع أن نقف موقف المتفرج، ولكن ما الذي فعله؟ وقف موقف المتفرج.
نعم، لقد فرضنا عقوبات اقتصادية، ولكن كما كان الأمر مع إيران، فإن الضغط الاقتصادي لم يغير سلوك النظام، فالإعلان عن فرض حظر سفر وعقوبات مالية على الأشخاص الذين يتعقبون الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ويستهدفون المنشقين تعد ثغرة أخرى في قرارات الولايات المتحدة. لا أحد من قادة الأفرع الأمنية في سوريا أو إيران يخطط للقيام بجولة في مدينة ملاهي عالم ديزني الأمريكية ليتم القبض عليه، كل ما سيقومون به هو أنه بدلاً من إدخار أموالهم في نيويورك سوف يدخرونها في دبي، وهذا هو كل شيء.
والإعلان الكبير الآخر لأوباما الذي أطلقه من متحف الهولوكوست في واشنطن هو إنشاء «مجلس منع الفظائع». روسيا ترسل طائرات محملة بالأسلحة إلى دمشق، وإيران ترسل الأموال والمدربين والعملاء ومزيد من الأسلحة، وماذا فعلت أمريكا؟ تدعم مهمة سلام أممية سقيمة لا تفعل أي شيء لوقف القتل (بعض المدنيين الذين التقوا بمراقبي الأمم المتحدة تم إعدامهم بعد ذلك بقليل) وتنشئ مجلس منع الفظائع!!
الآن يتم تداول بعض المقولات التي تفيد بأننا غير ملزمين بالحماية، فالسياسة الخارجية ليست عملاً اجتماعيًا، وأن المخاطرة بأرواح الأمريكيين يجب ألا تتم إلا عندما يتهدد الأمن القومي أو المصالح الاستراتيجية العليا، وليس فقط لتلبية الدوافع الإنسانية لبعض من قادتنا.
ولكن أوباما لا يطرح تلك المقولة، على العكس، فقد ذهب إلى متحف الهولوكوست ليلزم نفسه وبلاده بالدفاع عن الأبرياء وللتأكيد على الواجبات الأخلاقية لإنقاذ المظلوم، ولكنه لم يفعل أي شيء ذا جدوى لتنفيذ ذلك، فموقفه السلبي عززته الرؤى التي تفيد بأن الخيار الوحيد لعدم الفعل هو التدخل العسكري، ما يعني القصف وتواجد جنود أمريكيين على الأرض في سوريا. ولكن تلك حجة فارغة، فهذا ليس البديل الوحيد، فلماذا لا نقوم بتنظيم وتدريب وتسليح الثوار السوريين في ملاذاتهم الآمنة في تركيا؟
أوباما يصر على أننا لا نستطيع التحرك إلا بدعم من «المجتمع الدولي»، مما يعني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث لدى روسيا والصين حق النقض الدائم. فبأي منطق تتطلب الشرعية الأخلاقية للتدخل الأمريكي مباركة شخص مثل فلاديمير بوتن وجزاري ميدان تيانامين؟
إن استكانتنا الذاتية غير المعقولة لـ»الشرعية الدولية» لا تفعل شيئًا سوى السماح لروسيا -القوة المزعومة وريثة الاتحاد السوفيتي- بأن توفر مظلة حماية لأي عميل قاتل تختاره. أوباما أعلن أن من حق روسيا (أو الصين) أن يعترضا على التحركات الدولية بالفيتو، سواء العقوبات أو المساعدات العسكرية أو التدخل المباشر، وأن أمريكا سوف تحترم ذلك، ولكن من أجل ماذا؟ حتى الرئيس كلينتون والمعروف عنه أنه من أنصار احترام القانون الدولي، لم يكن ليذعن لذلك، فروسيا كانت تستعد لمنع التدخل الأممي ضد عملائها في صربيا، ولكن كلينتون أنقذ كوسوفو باستدعاء الناتو لقصف صربيا، وليذهب الروس إلى الجحيم.
إذا أراد أوباما أن يظل بعيدًا عن سوريا، حسنًا إذن، اقنعنا أن ذلك ليس من شأننا، وأن ذلك صعب للغاية، وأننا ليس لدينا مصالح أمنية أو مصالح أمن قومي هناك، ولكن من وجهة نظري فإن الدلائل كلها تشير إلى عكس ذلك، ولكن على الأقل ادعم حجتك ووجهة نظرك بأننا يجب أن نكف أيدينا، فتلك ستكون سياسة أمينة وصادقة، ولكن في المقابل فإن الرئيس كان يحتمي في حرمة متحف الهولوكوست ويعلن عن مزاعمه النبيلة عن مبدأ المسئولية، حتى لو كان يقف متفرجًا وهو يشاهد سوريا تحترق.
فإذا لم نكن مستعدين للتدخل، حتى ولو بصورة غير مباشرة بتسليح وتدريب السوريين الذين يريدون تحرير أنفسهم، فكن صريحًا! ثم بعد ذلك اصمت، ولا تتذرع بأن الأمم المتحدة لا تفعل شيئًا، ولا تحرج الأمة الأمريكية بمجلس منع الفظائع، فمأساة رواندا ودارفور والآن سوريا لم تحدث بسبب الافتقاد إلى المعلومات أو الافتقاد إلى التنسيق بين الوكالات، ولكن بسبب الافتقاد إلى الإرادة.
*(واشنطن بوست) الأمريكية