تتعلق البساطة بالتصرفات الشخصية للإنسان وتعني انتهاج الوسطية بين المبالغة في التصرف أو ما يعرف بالتكلف وبين اللا مبالاة إذ يؤدي التكلف إلى الإرهاق المادي والمعنوي في حين أن اللا مبالاة تحمل نوعًا من اللؤم وسوء التصرف.
والبساطة مطلب ديني وحضاري ففي القرآن الكريم ورد قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} الإسراء: 29
وفي السنّة الشريفة روى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا هلك المتنطعون - ثلاث مرات) والتنطع يعنى التكلف كما روى الصحابي الجليل أبو هريرة رضى الله عنه: (أنه قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى الليالي رجل متعب يريد طعامًا فكلم بعض زوجاته إن كان لديهن طعام للرجل فأجبنه بأنه لا يوجد لديهن سوى الماء فتوجه عليه الصلاة والسلام لأصحابه بطلب ضيافة الرجل فاستضافه أحد الأنصار....) والشاهد في ذلك أن ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف يُعدُّ نوعًا من البساطة الواقعية فهو سأل زوجاته إن كان يوجد لديهن ما يقدم لهذا الرجل من دون تكلف، فلما كان جوابهن بأنه لا يوجد سوى الماء لم يغضب ولم يتغير وجهه عليه الصلاة والسلام، بل دخل في البحث عن مصدر آخر لاستضافة هذا الرجل وهو ما حصل.
والبساطة تخالف البخل والكرم غير الحقيقي باعتبار أن البخل صفة مذمومة؛ لأن البخيل يحافظ على ما له في قلبه فلا ينفق منه شيئًا وليس في يده فينفق البعض ويحتفظ بالبعض الآخر، أما الكرم غير الحقيقي وهو الإسراف فيؤدي بالشخص إلى مسايرة الآخرين الأكثر منه ثراءً وإن كانت ظروفه المادية لا تسمح بذلك فالشخص الذي يحجز صالات الأفراح الكبرى في الفنادق أو غيرها لإقامة حفل زواج ابنه أو ابنته أو يقيم الولائم الفخمة لضيوفه وهو غير قادر ماديًا على ذلك، بل إنه قد يستدين في سبيل تحقيق ذلك لكي يظهر أمام الناس بأنه كريم وأنه لم يقصر في الاحتفال بزواج ابنه أو ابنته فإن هذه التصرفات ليست من الكرم أو المروءة في شيء، بل إن آثارها السلبية سوف تعود عليه وعلى أسرته لاحقًا، فالكرم الحقيقي ليس في تصرفاته هذه، بل إن يستقبل ضيوفه بحسن الخلق وبشاشة وطلاقة الوجه وبالابتسامة الصادقة، فالولائم الكبيرة المحملة بأصناف المأكولات وأنواع المشروبات ليست كرمًا ما دام وجوه أهلها عابسة مهمومة وما دام أنهم أنفقوا على هذه الولائم من الديون.
كما أن البساطة مطلوبة في ديكورات المنزل وتأثيثه بألا تكون مبالغ فيها وفي نفس الوقت لا تكون في مستوى متدنٍ للغاية وإضافة لذلك فإن للبساطة فوائد أخرى وهي:
* القناعة بما قدره الله من رزق الإنسان أو هدف لم يتحقق.
* عدم نظر الشخص لمن مستواه المادي أعلى منه، بل النظر لمن مستواه أدنى، حيث سيؤدي ذلك به للقناعة.
* اكتشاف أن الحياة القصيرة في هذه الدنيا لا تستحق كل هذه المبالغات والتصرفات غير العقلانية.
* تطهير القلب من العادات السيئة لأن صاحب هذا القلب هو المتضرر في النهاية.
* مشاركة الأحباب والفقراء همومهم وأفراحهم بما سيشعرهم بأن الدنيا لا تزال بخير.
* أن البساطة تؤدي للأمان الاجتماعي أمام زحف العادات المرهبة للمجتمع بسبب الثقافة التي تسود المجتمع فكثير من يقوم بهذه العادات أو التصرفات غير مقتنع من داخله بها ولكنه استسلم بسبب ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه وهو الأمر الذي يتطلب نشر الوعي داخل المجتمع وتعميم ثقافة البساطة.
* إن في البساطة راحة للبال حتى ولو كان الإنسان مقتدرًا ماديًا لكونها ستؤدي إلى توقفه عن مجاراة الآخرين فيما اقتنوّه كما ستؤدي إلى توقفه عن متابعة ما يستجد من موديلات وماركات.
* إن البساطة تعني الواقعية فأمهات المؤمنين في الحديث النبوي السابق ذكره لم يقلن إن الناس سوف يضحكون ويشتمون ويستهزئون كما يفعل بعض السيدات اليوم إذا لم يتظاهرن بما ليس عندهن ويتكلفن فوق طاقتهن، بل قلن رضى الله عنهن جوابًا واحدًا من غير اتفاق مسبق بينهن أنه لا يوجد لديهن إلا الماء.
نخلص مما تقدم إلا أن في البساطة راحة وسعادة ومزايا عديدة على المستوى الأسري، بل على مستوى المجتمع وأنه ينبغي نشر ثقافة البساطة بين أفراد المجتمع وبالذات في الواقع العملي ممن وهبهم الله المال حتى يكونوا أسوة حسنة للآخرين.
asunaidi@mcs.gov.sa