خلال حقبة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي امتعض أبناء مناطق الحدود الشمالية والجوف وجازان ونجران والباحة وحائل من أن الدولة تركز إنفاقها على الرياض والدمام وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة.. حيث البنى التحتية كشبكات الطرق والخدمات الرئيسية من جامعات ومستشفيات متخصصة وهو ما كانت تفتقده مناطقهم عدا الخدمات الرئيسية الهامة.. وقد صرح الكثيرون منهم بأن افتقار مناطقهم لهذه الخدمات وللنشاط الاقتصادي دفعهم إلى الهجرة منها قاصدين تلك المدن الكبيرة التي شهدت توسعاً بشكل متسارع حتى غَصَّت بمن فيها.
والحقيقة أن الدولة كانت ستتجه للمدن الصغيرة بعد المدن الرئيسة لو استمرت الحالة الاقتصادية بالانتعاش الذي بدأ في النصف الثاني من السبعينات الميلادية في القرن الماضي.. إلا أن الظروف الاقتصادية ساءت أثناء الحرب العراقية الإيرانية وما تبعها من انخفاض شديد لأسعار النفط ثم حرب تحرير الكويت.. حتى اضطرت الدولة للاقتراض لصرف الرواتب ونفقات التشغيل وبالتالي تراجع الإنفاق بشكل كبير على المشاريع الرأسمالية الأمر الذي أبطأ عجلة التنمية بشكل كبير حتى في المدن الرئيسية.
وبالفعل ما إن انتعش الاقتصاد السعودي حتى انطلقت مسيرة التنمية من جديد.. حيث زار خادم الحرمين الشريفين «حفظه الله» تلك المناطق ونثر المشاريع التنموية للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم العام والعالي والإسكان والطرق والكهرباء والاتصالات.. إضافة للمشاريع الاقتصادية المولِّدة للفرص الوظيفية والاستثمارية في المناطق كافة بما يحقق التنمية الشاملة ويحد من الهجرة الداخلية ويعزز الهجرة العكسية.
وها نحن اليوم نحصد ثمار الغرس حيث تم تدشين عشر جامعات ناشئة في كل من جازان والباحة وحائل والجوف والحدود الشمالية وتبوك والخرج وشقراء والمجمعة ونجران.. إضافة إلى اثني عشر مستشفى جامعياً تغطي مناطق المملكة كافة والتي ستلعب أدواراً علاجية وتعليمية وتوعوية.
وأصبح المستاؤون بالأمس من إهمال المناطق النائية في الطفرة الأولى ووقت الانكماش الاقتصادي يستشعرون اليوم اهتمام الدولة بهم.. وأن العدالة في توزيع المشاريع أصبحت واضحة لكل منصف وأنهم في تفاعل يومي مع تلك المشاريع وآخرها مشاريع الجامعات الحديثة ومستشفياتها.. بما تعنيه من تأهيل لأبناء المنطقة علمياً وعملياً لمواجهة تحديات الحياة والحصول على الفرص الوظيفية المناسبة والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتنامية في مناطقهم.
والآن فإن أهالي هذه المناطق والمسؤولين في مؤسساتها الحكومية والخاصة والخيرية والثقافية مدعوون لبناء شراكات مع هذه الجامعات التي تتمتع بطاقات أكاديمية ومنشآت متنوعة وقدرات مادية كبيرة.
كل الأمل أن يتحقق ذلك.