في مقالي يوم الأحد الماضي تحدثت عن حكاية عامل هارب من كفيله، ومبررات هربه وسهولته وفوائده له، وضرر ذلك على الوطن، ذلك بسبب فوضى التستر التي يمارسها للأسف مواطنون منتهكون للأنظمة، وما لم يتم التعامل مع قضية التستر كجريمة يعاقب عليها القانون بحزم، فلن نخرج من هذه الأزمة المؤذية لجميع الأطراف!
اليوم سأتناول الجزء الآخر من القضية، حكاية المواطن النزيه البسيط، الذي يحاول أن يكسب رزقه بعرقه، حتى يتم تضييق الخناق عليه ويهرب من السوق، وأيضاً سأترك زميلي الموظف الحكومي يروي الحكاية:
وقف أمامي شاب يحمل ملفاً أخضر به شهاداته، وحينما قرأت اسمه عرفته، فهو شقيق أحد زملائي، وأعرف من أخيه بأن لديه تجارة خاصة ناجحة، فأصابتني دهشة كيف أصابه الطمع بأن يجمع بين تجارته الناجحة وبين هذه الوظيفة المتواضعة، التي لا يتجاوز راتبها 1700ريال، والتي لم يكن بحاجة إليها إطلاقاً، لماذا ينافس الآخرين المحتاجين لها فعلاً؟ طبعاً رحبت به وأشرت إليه بالجلوس، وبعد أن طلبت له شاياً، أخبرته بأنني أعرف أخاه، وأعرف منه بأن لديه نشاطاً تجارياً خاصاً، وأن هذه الوظيفة المتواضعة للشباب المحتاجين الذين لا يملكون شيئاً، بل إن الارتباط بهذه الوظيفة قد يؤثّر على تجارته، وما إن أنهيت خطبتي ونصائحي له، إلا قال لي بأنه خسر تجارته كلها، ولم يعد لديه شيء.
هذا الشاب كان يمتلك محل بقالة ضخمة، مبيعاته الشهرية فيها كبيرة، وربحه الشهري منها يتجاوز ثمانية آلاف، وزبائنه فيها رائعون، تقريباً كان هو الوحيد في الحي، حتى أنشئت حوله بقالتان أسستهما عمالة بنغالية، فبدأت تجارته تبور شيئاً فشيئاً، يقول بأنه كان يقفل محله وقت الظهيرة، كي يذهب إلى أسرته، كما يقفله عند العاشرة ليلاً، بينما هذه العمالة المخالفة لأنظمة العمل، والتي تعمل تحت مظلة التستر، تبقى طوال اليوم حتى الثانية عشرة ليلاً، فضلاً عن تواطؤ موزعي مواد التموين بالجملة معهم، وهم من بني جلدتهم، حيث يمنحونهم العروض المعتادة من المصانع، كأن يحصلوا مثلاً على كراتين مياه صحية إضافية مجاناً عند شراء خمسين كرتوناً، بينما يحجبون العرض عن الشاب السعودي، يمنحون هؤلاء من جنسيتهم مواد تموين بالأجل، ويحرمون الشاب السعودي ذلك، فضلاً عن بعضهم الذين يتجاوزون محله قصداً، لتصبح معظم مواده قديمة وغير متجددة، فضلاً عن أن هؤلاء العمال ينامون داخل محلاتهم أحياناً، أو يسكن ثلاثون عاملاً في غرفة واحدة، بتكلفة زهيدة، وفي مناطق ممنوع السكن فيها بهذه الطريقة، وهكذا ظلت تجارتهم تزدهر بشكل سريع، وسط دعم منقطع النظير من بني جلدتهم، وتضييق شديد على مواطن سعودي داخل وطنه، حتى اضطر إلى أن يقفل محله بعد خسائره المتكررة، ثم اضطر إلى بيعه لصالح هذه العمالة، التي يقف خلفها مواطن آخر يتستر عليها، وهي تعمل باسمه ولصالحها، وتمنحه شهرياً مبلغاً زهيداً لا يجوز له أخذه، شرعاً وقانوناً، مقابل تحويلها مئات الآلاف من الدولارات إلى الخارج!
هل هناك عشرات من هذا الشاب الذي خسر تجارته بسبب قصور الأنظمة؟ هل هناك غيره ممن يشعر أن هذه البلاد، وخيرات هذه البلاد، منذورة لغيرهم من الغرباء، وأن ليس لهم سوى البحث عن وظيفة متواضعة، أو الوقوف في طابور حافز؟
الإجابة في بطن التستر!