حملة العلاقات العامة والإعلانات التي نفّذتها الخطوط السعودية احتفاءً بمقدم طائرات «إمبراير» البرازيلية الصنع، لم تحل دون اكتشاف عيوب تلك الطائرات بمجرّد دخولها الخدمة. أعطال متكررة، ومخاطر تعرّض لها الركاب، قيل إنها على علاقة بالمحركات التي لم تُصمم للعمل في الأجواء الصحراوية؛ وقيل أيضا إن الخلل كان مرتبطاًَ بقدرة الطائرة على الاحتفاظ بتوازنها في الأجواء، وسمعنا حينها أن خلل التوازن لم يكن بسبب الطائرة بل بسبب المواصفات التي فرضتها «الخطوط السعودية» على الشركة المصنّعة. أياً تكن الأسباب فصفقة طائرات «أمبراير» لم تحقق الكفاءة والمنفعة لكل من الخطوط السعودية، والمواطنين؛ والحكومة.
أزمة صفقة طائرات «إمبراير» أُعيد استنساخها مع المؤسسة العامة للسكة الحديدية، حيث فشلت القطارات الحديثة التي كلفت خزينة الدولة ما يقرب من 612 مليون ريال في إثبات قدرتها على العمل بسبب مشاكل تعرّضت لها محركاتها الجديدة!.
المهندس عبد العزيز الحقيل؛ أشار إلى أن « المشكلة هي ضمن ثماني مشاكل يجب التأكد منها حيث تم التأكد من البرمجة والدورة الكهربائية والتدفئة والبرودة والوقود، وتم التأكد من سلامة كل هذه المشكلات وبقيت مشكلة واحدة وهي مشكلة الماكينة والتي تسببت في الأعطال التشغيلية المتكررة»، أعتقد أنّ المحرك هو أهم مكوّنات القاطرة، والذي يفترض أن يكون أكثر قدرة على العمل والتحمُّل لعشرات السنين، وليس لأشهر معدودة. المهندس الحقيل دعا «جميع من يرغب الاطلاع على المواصفات الفنية للقطارات بكل شفافية» وأكد أنها متاحة في مقر المؤسسة!. نحن لا نحتاج إلى الاطلاع على المواصفات، ويكفينا التجربة على أرض الواقع، التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ صفقة القطارات لم تحقق المنفعة الكلية للأموال المنفقة، كما أنها لم تحقق رغبات المسافرين وطموحهم. وقد قيل: «التجربة أكبر برهان».
المهندس الحقيل أكد بأنّ المؤسسة «لن تتسلّم القطارات خلال الفترة المقبلة من قِبل الشركة المصنّعة ما لم يتم حل المشكلة بشكل جذري»؛ أي أننا ننتظر صيانة القطارات الجديدة، وإصلاح أعطالها، وربما ترميمها حتى انقضاء (عام الضمان) التشغيلي!. الأمر لا يحتاج إلى صيانة، بل إلى تغيير كلي، وإعادة القطارات إلى أصحابها بعد فشلها في العمل في الأجواء السعودية. هدر أموال الدولة لا يمكن التغاضي عنه مهما كانت الأسباب!. تَجَرَّع المواطنون صفقات القطارات وخطوطها ومشروعاتها، على أمل الحصول على الخدمة والجودة التي طال انتظارها؛ إلاّ أنّ أمانينا بدأت تتبخّر، وتضيع بين الشركات الاستشارية الرديئة، والشركات المنفّذة التي تعاملت معنا وفق (ثقافتنا) لا ثقافة الدول المتقدمة.
هل نحتاج إلى استبدال كلمة «صفقة» بـ «صفعة» مع كل مشروع جديد تبذل فيه الحكومة، مشكورة، أموالاً طائلة لخدمة مواطنيها. يبدو أنّ هناك خللاً حقيقياً في عقد الصفقات وترسية المشروعات، وتحديد ما تحتاجه البلد بكل دقة ومسؤولية.
نحن لا نحتاج إلى اختراع العجلة بل استخدامها، وبدلاً من وضع مواصفات القطارات وإطالتها بما فيها من ثغرات قانونية تُحمّلنا مستقبلاً مسؤولية فشلها، يمكن أن نستنسخ أفضل القطارات العالمية محلياً، مع إضافة شرط «قدرتها على تحمُّل الأجواء الصحراوية» لضمان الجودة؛ يبدو أننا لم ننجح في الاعتماد على أنفسنا في الاختيار الصحيح، ولم نحسن اختيار الشركات الاستشارية والمصنّعة، وهذا ما يتسبب في حصولنا على مشروعات وصفقات رديئة لا تتوافق مع حجم الإنفاق والطموح، فما المانع من أن نقلّد الناجحين، كُلٌّ بحسب تخصصه. فنقل التجارب الناجحة، وتوطينها، خير من أن نتتبّع طريق الاختراع «السعودي» الذي يقودنا دائماً إلى المجهول!!.
f.albuainain@hotmail.com