يستعد سفير جمهورية مصر العربية الأستاذ محمود عوف مغادرة المملكة العربية السعودية بعد أن قضى بين ظهرانينا أربعة أعوام في خدمة توطيد العلاقة السعودية المصرية، وخدمة الجالية المصرية بكل تفان وإخلاص.
ومع أنه لم تجر العادة أن يكتب كاتب رأي مقالة عن سفير يغادر البلد الذي عمل به بعد انتهاء فترة عمله، إلا أن السفير المصري محمود عوف حالة استثنائية تفرض الكتابة عنها وإعطاءه حقه في الحديث عنه لأنه عمل بإخلاص وتفان وقدم أكثر مما هو مطلوب عادة من السفراء.
معرفتي بالسفير محمود عوف تمتد إلى عقد من الزمن، فالرجل عمل قبل ذلك قنصلاً عاما لجمهورية مصر العربية في الرياض، وجاء وصوله للرياض قنصلاً عاماً بدرجة سفير قبل قرابة عشرة أعوام، وكان إرساله من القاهرة بمثابة إنقاذ لوضع المصريين المقيمين في المملكة وخاصة في علاقتهم مع سفارة بلادهم وقنصليتهم، كان المصري قبل وصول محمود عوف قنصلاً من الصعب عليه أن يدخل سفارة بلاده، ولا يجد من يستمع إلى شكواه، وصل محمود عوف ففتح أبواب السفارة والقنصلية للمصريين، فحدد موعداً لاستقبال المصريين بعد صلاة الظهر ومنع سد الأبواب أمام أي مصري.
نسج علاقة طيبة ومتميزة مع جميع السعوديين مسؤولين ورجال أعمال وصحفيين، وأنشأ روابط وجمعيات للمصريين في كل مدينة سعودية، وكان يحرص على حضور المناسبات الاجتماعية للسعوديين والمصريين معاً. في حي منفوحة، الحي الشعبي في الرياض الذي يقيم فيه الكثير من المصريين فوجئ المصلون في صلاة الجمعة بالسفير المصري محمود عوف يؤدي الصلاة معهم ويستمع لخطبة الجمعة، وبعد أداء الصلاة ذهب مع أحد الإخوة المصريين لتناول الغداء، ذلك المواطن المصري لم يكن مستعداً لهذه المناسبة وأصابه الحرج، إلا أن السفير عوف قال له إنه مشتاق لتناول طعام المصريين البسطاء، وفعلاً كان سعيداً بمشاركة تلك الأسرة المصرية طعامها في حي منفوحة.
محمود عوف قضى أربع سنوات قنصلاً عاماً في الرياض وغادر العاصمة السعودية بعد أن أصلح أوضاع المصريين وأصبحوا يرون في القنصلية بيتاً لهم وعاد للقاهرة ليعمل نائباً لوزير الخارجية لشؤون مجلس الشعب والشورى، وبعد انتهاء فترة عمل السفير محمد عبدالحميد قاسم وكان هو الآخر رجلاً فاضلاً، عاد السفير محمود عوف هذه المرة سفيراً مفوضاً فوق العادة لجمهورية مصر العربية ليقضي معنا أربع سنوات أخرى خدم فيها السعوديين والمصريين.
ومن حسن حظ مصر والسعودية أن سفراء من أمثال أحمد قطان ومحمود عوف سفيران في القاهرة والرياض أثناء اندلاع الأزمة العابرة، إذ ساهما بحكمتهما وحبهما للبلدين بعبور سلس وسليم للعلاقات السعودية المصرية.
محمود عوف يغادرنا وكنا نتمنى أن يبقى معنا أكثر.
jaser@al-jazirah.com.sa