تحفل دار الأخ الكريم الدكتور عبدالعزيز العمري مساء كل جمعة بلقاء ثقافي علمي حافل، ندوة تُقام منذ سنوات، يُستضاف فيها من يقدم للحضور مادة علمية نافعة، وصفة العلمية هنا عامة، يدخل فيها كل ما يمت إلى العلم والمعرفة بصلة. كان عنوان المحاضرة التي قدمها يوم الجمعة 8-6-1433هـ «اللغة رسالة»، وهو عنوان انتقده الدكتور الأديب محمود عمَّار في تعليقه قائلاً: حينما قرأت العنوان قلت في نفسي: أية لغة يريد أن يتحدث عنها المحاضِر؟ أهي اللغة العربية أم غيرها؛ لأن اللغة رسالة عند جميع الأمم، وهو نقد موضوعي معقول، ولكن تخصص المحاضر ومكان المحاضرة من السياقات التي تؤكد أن المقصود بها لغة القرآن.
تحدثتُ حديثاً عاماً عن أهمية اللغة الأم في بناء شخصية الإنسان، ونهضة الأمة، وأشرتُ إلى الإهمال الذي تعانيه اللغة العربية، وهو ما مهَّد له مقدم المحاضرة الدكتور الفاضل محمد الفاضل، الذي أبدع في تقديمه، واسترسل في سرد عدد من القصص والذكريات، التي كان لها صداها الجميل عند الحضور، ومنها ما يتعلق ببعض قصائدي التي لها من حفظه نصيب وافر، كما أشار إلى أهمية اللغة ومشكلتنا معها فضيلةُ الدكتور عبدالعزيز العمري صاحب الدار، فأحسن في إشارته، ومن كان متخصصاً في التاريخ مثله كان جديراً بمعرفة قيمة اللغة العربية وأهميتها.
جوانب الإهمال للغتنا العربية الفصحى كثيرة، والأخطر في هذا الشأن عدم الشعور بأهميتها وخطورة إهمالها عند كثير من العرب، بل عدم الحماسة لها أصلاً، بل محاربتها حرباً معلنة قولاً وعملاً، وقد نبهتُ إلى خطورة هذا الأمر مشيراً إلى أن العامية الآن تحتل مكان الصدارة عند أجيال العرب في هذا العصر، وتأتي بعدها اللغة الأجنبية الإنجليزية أو الفرنسية، أما اللغة العربية الفصحى الأم فهي في مرتبة متأخرة جداً.
ناديتُ في المحاضرة إلى ضرورة إنعاش قلب الأمة العربية تجاه لغتها، وهو نداء موجَّه إلى الإنسان العربي نفسه، أما الدول العربية فهي - غالباً - لا تنشغل بهذا الجانب ولا تفكر فيه، بل إنها تفرط في لغتها، وتتبنى في معاملاتها الداخلية والخارجية وإعلامها ومراكزها الثقافية ووزارات تربيتها وتعليمها اللغة الإنجليزية، التي أصبحت لغة معظم مسؤوليها الأم، يتحدثون بها في مجالسهم، ويلقون بها كلماتهم الرسمية وغير الرسمية، وكيف نرجو من هذه الدول خيراً في خدمة لغة القرآن وهم يتحدثون في مجلس الأمن وهيئة الأمم بلغة الأعاجم مع أن اللغة العربية من اللغات المعتمدة في هاتين المؤسستين الدوليتين؟! ومن الطرائف المبكية أن أول كلمة ألقاها مندوب العرب في حفل تدشين اعتماد اللغة العربية من ضمن اللغات المعتمدة في هيئة الأمم كانت بالإنجليزية؛ ما أضحك أعضاء المؤسسة، وجعل بعضهم ينادي بإلغاء اعتماد اللغة العربية ما دام أهلها يتعاملون معها بهذه الصورة.
كانت المحاضرة دعوة إلى العناية بلغة القرآن من قِبل الإنسان العربي في منزله؛ فهي الخطوة الممكنة في هذه المرحلة.
شكراً لأبي عاصم الدكتور عبدالعزيز العمري ولأبي حسان الدكتور محمد الفاضل، ولكل من أسهم وحضر في تلك الليلة الثقافية المضيئة.