ما يحدث في مصر خلال هذه الأسابيع شاهدٌ على أنّ فصول الثورة المصرية لم تكتمل بعد، ولم يشعر شبابها بالانتصار على النظام القديم، ودليل آخر على أنّ الروح الثورية لا زالت تسكن أعضاء الجسد المصري، وتنتظر الفرص لإحداث هزات في الشارع المصري، وذلك يفسر نوبات الطغيان الشعبي المتكررة، والذي أخذت صوراً عديدة، كان آخرها ما حدث في العباسية، والسبب أنّ الروح الثورية لا تزال ترفض الحل البراغماتي، لأنها تعتقد أنّ الثورة لم تحقق أهدافها، وأنّ العسكر لازالوا ممسكين بزمام الأمور، والدليل عودة بعض رموز السلطة مرة أخرى لمحاولة اختطافها في الانتخابات القادمة، ولو حدث وعادوا رموز السلطة القديمة ستحدث الكارثة على الأرض المصرية، ولا أعلم لماذا تصرّ بعض الزعامات القديمة على تحدي الثورة المصرية في أوج عنفوانها.
ستحفل الأيام القادمة بمظاهر لم تكن في الحسبان، وقد تزداد نبرات الغضب لو انتصر بعض المحسوبين على النظام القديم في الانتخابات القادمة، والمتابع للاستفتاءات سيلاحظ أنّ المنافسة بدأت ساخنة بكل ما تعنيه الكلمة بين التيار الديني ورموز النظام القديم، ولهذا السبب تحوّلت الثورة إلى ثورة شك في كل من له علاقة برموز النظام القديم، وما حدث من انتحار سياسي خلال الأسبوع الماضي تجاه المملكة كان أحد علامات ثورة الشك التي تمر فيها مصر الشقيقة، فقد كان الغرض من حادثة الجيزاوي إحداث انفجار سياسي يقلل من التأثير السعودي على نتائج الانتخابات، وذلك اعتقاداً منهم أنّ قطع العلاقات بين الرياض والقاهرة ستؤثر سلباً على الدعم والتصويت للمرشحين عمر موسى وأحمد شفيق، وستقلل من فرص فوزهم، برغم من عدم وجود دلائل تربط الرياض بالانتخابات المصرية.
كانت المبادرة المصرية في غاية الذكاء، فقد حضر ممثلو جماعة الأخوان والسلفيين ليقدموا الاعتذار عما حدث، وبالتالي إحداث نوع من التوازن في الموقف السعودي من الانتخابات المصرية الشهر القادم، وبالفعل عاد السفير السعودي، وتمّت المصالحة بين بعض ممثلي التيار الديني المصري والرياض، على أمل أن يتحوّل التأييد إليهم، ويقلل من فرص انتصار رموز النظام القديم في يونيو القادم، وتنتصر القوى الدينية ممثلة في الأخوان والسلفيين، ولكن قد تحصل المفاجأة وينجح السيد عمرو موسى في الوصول إلى كرسي الرئاسة المصرية، ولهذا السبب على وجه التحديد، لن تغادر الروح الثورية من ميادين القاهرة ما دام الخيار إما بين تيار الأخوان والعسكر ورموز النظام القديم، والسبب أنّ تلك الروح لن تشعر بالطمأنينة ولو فاز على سبيل المثال السيد عمرو موسى، أو انتصر مرشح الأخوان بالسلطة بعدما أحكموا السيطرة على أغلبية البرلمان.
يبدو أنّ روح الثورة المصرية قد تكون مهيأة لانتصار عبد المنعم أبوالفتوح في الأيام الأخيرة من الانتخابات المصرية، والذي قدم نفسه كمستقل، والذي يصف نفسه على أنه ينتمي للفكر المحافظ الذي يجمع بين الليبرالية واليسارية، ويرفض أن يسمّي أنه ينتمي للفكر الإسلامي، وهو يقبل الرأي الآخر، ويرفض أي تعدٍّ على الحريات الفردية، وقد صرح من قبل بأنّ مصدر السلطة الحقيقية والتشريع سواء القانون أو الدستور هو الشعب ومن آرائه وأهم كتبه كتاب (مجدّدون لا مبادرون)، وقد نشر الكتاب في عام 2009، وجاء هذا الكتاب نتيجة للصدام الفكري بين القطبيين وأبو الفتوح، وقد تصاعد الخلاف فيما بينهم بعد مطالبة أبو الفتوح الإخوان بمراجعة أفكار سيد قطب نفسها?، ونتج عن ذلك إقصاؤه من الجماعة ذاتها، ومن ذلك الوقت وهو يقدم نفسه كمستقل عن الأحزاب، وفي نفس الوقت يحظى ببعض الثقة من شباب الثورة والأقباط، ومن يدري؟، فقد يكون الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الخيار الأخير قبل أن يحين موعد خروج شيطان الثورة المصرية في مكان آخر!؟