في عام 1413هـ صدر كتاب (نجد ومفاتنه الشعرية) جمعه وأعده وعلّق عليه الشاعر خالد بن محمد الخنين وقدَّم له الدكتور عبد الكريم اليافي، وصدر الكتاب في 475 صفحة عن الدار المتحدة للطباعة والنشر في دمشق وموضوعات الكتاب هي:
1- نجد في اللغة.
2 -حدود نجد.
3- نجد في الجغرافية.
4- صدى نجد في الشعر العربي.
والعناوين الثلاثة الأولى تعد مقدمة للكتاب، حيث جاءت في عشر صفحات ثم جاء موضوع (صدى نجد في الشعر العربي القديم) في 373 صفحة، وجاءت مقدمة الدكتور عبد الكريم اليافي في 23 صفحة، بدأها بقوله: وكل الأقوام تحب أوطانها وتتعلَّق بها وتفديها بالأرواح، وقديماً قال ابن الرومي أبياتاً تطايرت على الأفواه:
وحبَّب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وقال أيضاً:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا
ولبست ثوب العيش وهو جديد
فإذا تمثّل في الضمير رأيته
وعليه أغصان الشباب تميد
ثم قال اليافي (بلد الشعراء الكبار، بلد المهلل بن ربيعة وأوس بن حجر وزهير بن أبي سلمى وامرئ القيس وطرفة بن العبد والحارث بن حلزة وعبيد بن الأبرص وعنترة بن شداد وأعشى باهلة وعروة بن الورد، ودريد بن الصمة والطرماح وعامر بن الطفيل والعباس بن مرداس وعلقمة بن عبدة وزيد الخيل والخنساء والحطيئة وغيرهم). ثم قال اليافي: (هل سمعت أو قرأت شعراً أجمل وأشجى مما قاله أحد أبنائها - يعني نجد - يريد قبل فراقها أن يستمسك باللحظات العابرة بَلْه الأيام والشهور التي لا يكاد المرء يشعر بانقضائها:
أقول لصاحبي والعيس تهوي
بنا بين المنيفة والضمار
تمتع من شميم عرار نجد
فما بعد العشية من عرار
ألا يا حبذا نفحات نجد
وريّا روضه غبّ القطار
وأهلك إذا يحل الحي نجد
وأنت على زمانك غير زار
شهور ينقضين وما شعرنا
بأنصاف لهن ولا سرار
ويختم اليافي مقدمته الرائعة للكتاب بقوله: (لمزايا نجد ومفاتنه الشعرية التي قدمنا (إضمامة منتقاة) منها نَهَدَ صديقنا الشاب الأديب الدبلوماسي السيد خالد الخنين إلى جمع الأشعار التي ورد ذكر نجد فيها محبة منه لوطنه وإجلالاً لتلك العواطف الطيبة النبيلة الملتاحة التي اعتلجت بها الشعراء مواطنيه القدماء وإكراماً لتلك المشاهر الحرة الصافية التي خامرت نفوسهم.
ومن حق الأبناء وكرم طباعهم ونبل غريزتهم أن يجروا على سنن الآباء ويحافظوا على عهود المحبة والألفة والانتماء، وقد قفّى على ما جمعه بترجمة طائفة من أولئك الشعراء المشاهير تنويهاً بأسمائهم وتخليداً لذكراهم وتمجيداً لبلاغتهم ورهافة إحساسهم).
قلت: إن الشاعر خالد بن محمد الخنين أحد أبناء الدلم الأوفياء، ولا عجب أن يكون وفياً للدلم ووفيا لنجد التي تقع الدلم في قلبه، ولئن غاب عنها فترة من الزمن ملحقاً تعليمياً في دمشق فإنه يرى الدلم في أقوال الشعراء عن نجد مثل قول ابن الخياط والدمشقي:
خذا من صبا نجد أماناً لقلبه
فقد كاد رياها يطير بلبّه
وقول الأبيوردي:
بمنشط الشيخ من (نجد) لنا وطن
ولم تجر ذكراه إلا حنَّ مغترب
وقول حسانة الضبية:
فيا حبذا نجد وطيب ترابه
إذا هضبته بالعشي هواضبه
وقول القتّال الكلابي:
إذا هبت الأرواح كان أحبّها
إليّ التي من نحو نجد هبوبها
وقول الصخر بن الجعد المحاربي وهو بالشام:
ألا ليت شعري هل تغير بعدنا
عن العهد أم أمسى على حاله نجد
وعهدي بنجد منذ عشرين حجة
ونحن بدنيا ثم لم نلقها بعد
وقول بديع الزمان الهمذاني:
ويا حبذ نجد وبرد أصيله
وعيش تركناه بساحته رغدا
وشاعر الدلم خالد بن محمد بن خنين شديد الحب لوطنه الكبير ولقلب وطنه، فلئن أحب نجداً فإن حبه لها لم يكن لولا (الدلم) إنه يقول:
وطني وما زال الحنين يردني
طفلاً بحبك ما بلغت فطاما
حمّلت أسراب النخيل قصائداً
تهدي إليك محبة وسلاما
ورفعت حبك في يدي بيارقاً
وجلوته في مقلتي أحلاما
ومشيت في أرض الطهارة والعلى
أشتم منها عنبراً وخزامى
أنا كلما رمت السُّلوَّ رأيتني
ازداد فيك محبة وهياما
وطني إذا عدَّدت للنعم التي
أعطيتها لم أحصها أرقاما
وفي وصف البيئة التي أحبها من وطنه يقول:
أمشي وأسراب النخيل بجانبي
فوق الرمال توزع الأنساما
وحفيف أشجار الغضا أصغي لها
متقرّباً فأخالهن حماما
من كل واد ذكريات للعلى
وحكاية شفت هوىً وغراما
هذي مضاربهم يَوَدُّ النجم لو
نصبوا له بين الخيام خياما
(من قصيدة في ديوانه شظايا العمر، صدر عام 1426هـ وعنوان القصيدة:
(لوحات عزِّك) في 31 بيتاً.
وفي الأبيات الأخيرة ملحوظتان: الأولى في قوله: فوق الرمال، فالمعهود أن النخيل لا تعيش فوق الرمال وإنما تكون أجود في الأرض الطينية ولو قال (بين الرمال) لكان أجود.
والثانية في قوله: (من كل واد) ولو قال في كل واد لكان أجود وأبلغ.
أما شيخ الدلم وشاعرها الذي أسلفت بعض ما قال في الدلم من قصيدته (يراع القلم في تاريخ الدلم) الشيخ الفقيه الشاعر عبد الرحمن بن عثمان الجاسر فقد استجاب أحد أبناء الدلم وتلاميذ الشيخ وأحبابه الدكتور الشاعر عبد الرحمن بن ناصر الداغري استجاب هذا الأديب الأريب لداعي الوفاء وواجب البنوة وحقوق الأهل والبلد فألف كتاباً نفيساً فريداً في بابه وعنوانه (عبد الرحمن بن عثمان الجاسر سيرته وخطبه وشعره). وجاء الكتاب في 575 صفحة من القطع الكبير وصدر الكتاب عام 1426هـ.
ومن أجود ما رأيت في الكتاب قصيدة رائعة جامعة، فقد نظم الدكتور عبد الرحمن الداغري قصيدة بعنوان (والحزن في الدلم الوفية خيمة) في 18 بيتاً من البحر الكامل وقافية الراء، وهي جامعة في بيانها لمكانة الشيخ في الدلم معلماً وخطيباً ومربياً وقدوة، وفي بيان حب الجاسر والداغري للدلم، ومما ورد في القصيدة قول الداغري:
والحزن في الدلم الوفية خيمة
مضروبة، إذ قيل: مات الجاسر
شيخي عليه بكى الألوف بحرقة
وعليه فاضت بالدموع محاجر
دلماً تركت وكنت فيها مرشداً
وفتى شدائدها، وأنت الشاعر
يبكيك شيخي جامع الدلم الكبير
وفي مصلى العيد حزن غامر
يبكيك شيخي معهد ورجاله
وعليك تبكي يا خطيب منابر
المعهد العلمي ذكرك ذكره
والجامع الأسنى، فذكرك عاطر
لغة الكتاب عليك تذرف دمعها
أنت الشغوف بها، وأنت الماهر
وقوافي الأشعار تبكي حاذقاً
وطويلها يبكي، ويبكي الوافر
الصبر عنوان لسيرتك التي
ختمت بخير، والختام بشائر
آه لفقد الصالحين ذوي النهى
في محنة قد صال فيها الكافر
والسؤال الذي يسأله كل من عرف الشيخ وعرف غيره ممن قبله ومن بعده، سؤال صاغه الدكتور عبد الرحمن الداغري شعراً وهو قوله:
هل كل من صعد المنابر مصقع
أو كل من نسج العبارة جاسر؟!
والجواب واضح للقارئ والسامع.
أما شعر شيخنا الجاسر - رحمه الله- فقد ذكرت طرفاً منه، وهنا أبيات من قصيدة رائعة صادقة، فقد نظم الشيخ قصيدة ترحيبية بوزير الصحة أسامة شبكشي في مناسبة وضع حجر الأساس لمستشفى الدلم العام وألقيت في الحفل الذي أقيم في 23-1-1417هـ وجاءت في ثلاثين بيتاً منها قوله معبراً عن حبه للمملكة ولولاة أمرها وللدلم ونصحه وصدقه في ذلك:
حجر الأساس وضعته وبحكمة
قطعت جهيزة قول كل نذير
لكن لنا طلب، نروم توسعا
وتوقعاً لمعالم التطوير
مئة السرير نصابه في خطة
وفق احتياج محكم التقدير
أما ثلاثون السرير فإنما
يكفي الوزير مجرد التذكير
ها قد رأيتم والروئ محدودة
ليس السماع كمن رأى بنظير
بلد كبير يحتويه توابع
ومن القرى ومواطن التهجير
عدد يفوق الحصر في سكانه
مترامي الأطراف بالتعمير
أمل يعلقه المواطن فيكم
وبدولة تعنى بكل جدير
لقد كان الشيخ مؤرِّخاً معاصراً لأحداث وتحولات كثيرة مرت بها البلاد؛ ومنها تحديد إمارات المدن وبناء مدن جديدة وتوطين البادية وقد سجّل ذلك بشعره، إذ يقول عن الدلم والخرج:
سلوا زميقة أو نعجان عن سلفي
سلوا اليمامة عَمَّن كان قاضاها
سلوا الضبيعة عن سوقي ومحكمتي
سلوا الهياثم عني وقت منشاها
أليس في الدلم المعروف مرجعهم
وكل من صعبت شكواه واتاها
والسيح ما كان موجوداً به أحد
إلا السباع وماء العين مجراها
يا واحة الخرج أنت ذخر مملكتي
يا سلة الخبز في عسر ويسراها
سلوا ثمامة عن خرجي وميرتها
سلوا الحجاز وفي التاريخ ذكراها
هذي هي الخرج يا من لا يميزها
قد فات علمك (فيض) من سجاياها
القصيدة بكاملها في الكتاب ص 539 وما بعدها.
ومن أشهر شعراء الدلم المعاصرين الفريق متقاعد الدكتور ناصر بن عبد العزيز العرفج، وهو ابن الدلم الوفي، والرجل المثابر والعامل الصادق، وكل من يعرفه يعرف سجاياه الجمَّة وخصاله الحميدة والتي من أسماها وأغلاها تواضعه وبعد نظره وعمق تفكيره ووفاؤه ونفعه لأهله وبلده، وقد عرفه معاصروه وأثنوا عليه بتلك الصفات وغيرها، ومنهم شيخنا الشيخ عبد الرحمن الجاسر - رحمه الله-؛ فقد كان بينهما مراسلات شعرية جميلة.. وقد عرفت الفريق فعرفت فيه تلك الصفات وغيرها وغمرني باحترامه وتقديره وحفاوته بي - حفظه الله وأعانه-، وفي يوم من الأيام وأنا أقرأ في مجلة من المجلات التي أتابعها وجدت قصيدة بعنوان (الدلم) وتحتها كتب د. ناصر بن عبد العزيز العرفج فقرأتها ووجدت فيها:
1- تذكر الدلم بعد بعد عنها عشرات السنين للعمل الوظيفي.
2 - أسى وألم لتبدل الدلم وتغيّر معالمها.
3- تعجب من ظهور أحياء جديدة متفرّقة؛ فالدلم أحياء يفصل بينها مزارع وأراض فارغة!!
4 - بقاء الحب للدلم وأهلها ومكانتها في القلب.
أعجبتني القصيدة فقلت ليت كل أبناء الدلم يقرؤونها - وقد خاطبهم الشاعر ومما قال:
داري وإن بدلت أنماط هيكلها
في الذهن صورتها والقلب مسكنها
ما جئتها زائراً إلا رأيت بها
ما يوجع القلب والأبصار تنكرها
هل هذه بلدتي هل هذه دلمي
أزكى القرى مظهراً والعطر مخبرها
أين الرجال الذين قد كنت أعرفهم
أين البيوت التي تزهو بساكنها
زالوا جميعاً وما تلقى لهم أثراً
يبقى لها ذكرها والنشء يعرفها
ويذكر أستاذي وأخي ناصر أنه لم يبق من الذكريات الشاخصة التي كان يعرفها سوى نخلتين جفّ ما حولهما وسقطت البيوت وبقيت النخلتان فقط!
ولكن إيمان الشاعر وعقله وحكمته تملي عليه أن لا بقاء لشيء وبقاء الحال من المحال فيقول:
كفكف دموعك لا عود لمنصرم
واذهب إلى حاضر تسلو وتتركها
إني لأمضي والآمال تغمرني
نحو الجديد من الأحياء أنظرها
لا عارفاً أحداً أو عارفي أحد
مثل الغريب أدير الطرف أذرعها!
ولكنه يشكو مما كان يمكن علاجه، ويصف حالاً كان للناس دور في حصولها وهي تفرّق الأحياء وتباعدها مما يصعب معه وصول الخدمات وتواصل الناس فيقول:
في كل ضاحية حي بمنعزل
عما يماثله، يا سوء منظرها
أشلا ممزقة من جسم بلدتنا
الاسم منطبق والوضع ينكرها
ويستدرك شاعرنا أن الدلم وإن تهدمت بيوتها القديمة وتباعدت أحياؤها الجديدة فمكانها في القلب وصورتها في الذهن وحبها عميق في النفس لا يتزعزع:
داري وإن لبست ثوبا مرقعةً
أو واجهتني وجوه لست أعرفها
أو أن وجهي غريب في شوارعها
أو كان ما كان من تشويه صورتها
ما غيرت تلكموا حباً أكن لها
في الذهن صورتها والقلب مسكنها
وحينما قرأت القصيدة كتبت جواباً لها بعنوان (الدلم نبع الحب والوفاء) في 12-4-1431هـ قلت فيها:
يا باكياً حرة قد كاد يغليها
الحزن أرقه مما جرى فيها
السابقون مضوا في حكم خالقهم
وقد أتى خلف بالحمق يؤذيها
أجدادنا درر في صدر بلدتهم
وجودهم شاهد بالبر يعليها
الدال در على الأكتاف نحمله
واللام تاج به تزهو نواصيها
والميم مجدٌ به فاقت أوائلنا
إذ بايعت أسداً نادى أهاليها
أهل الدلم بايعوا الملك عبد العزيز - رحمه الله- قبل أن يصل إليهم ورحبوا به ترحيب الأهل بمحبوب قدم إليهم دون تردد أو قتال.. ذلك من أمجادنا التي لا تُنسى.. ولكن أبناءنا أو بعضهم ينسون كثيراً من القيم والتاريخ:
إني لأشكو.. وفي الأحداث موعظة
نسيان بلدتنا أمجاد ماضيها
من يا ترى قد محا ذكرى أوائلنا
فالشيخ مات، وذا المولود ناسيها
إن كنت تحزن من مال تضيعه
فإن حزني على داري وبانيها
لا تنكروا لوعة قد كنت أكتمها
لا تظلموا أعيناً سالت مآقيها
فالحب يأسرني من كل ناحية
لبلدة لم أجد داراً تحاكيها
فالحسن والبر والأمجاد ترفعها
والنبل في دلم نبع ينميها
إني لأرجو - وفي أبنائنا أمل-
بأن نرى همماً قد أثمرت فيها
إن البلاد وإن شطت أماكنها
في القلب ساكنة والحب يسقيها
إن البلاد لها حق سندفعه
فهي الأمان ستحمينا ونحميها
وما أسجله هنا للتاريخ أنني لم أر قصيدة عن الخرج والدلم أروع ولا أقوى ولا أطول من (ترسانة الجود) للشاعر الكبير عبد العزيز بن عبد الرحمن العتي وهي بحق سفر نفيس ووثيقة تحتاج إلى دراسة أدبية تفرد بها، ويمكن أن تشمل شعر شاعرنا - حفظه الله وغفر ذنوبه وزاده توفيقاً-.
ولا يمكن لدارس لما قال شعراء الدلم في حبهم لها أن ينسى علماً كبيراً عرف بعلمه وفقهه كما عرف ببلاغته وأدبه وهو الشيخ راشد بن صالح بن خنين، وقد صدر ديوانه عام 1430هـ في 261 صفحة من القطع الكبير وأهم ما في الديوان مما يتصل بموضوعنا قصيدتان هما:
1- ذكرى ودمعة حزن، قيلت في 24-5-1400هـ.
2 - حبيبتي دلم، قيلت في 15-5-1402هـ.
يقول معالي الشيخ في قصيدته (ذكرى ودمعة حزن):
بالمسجد الأوسط المعروف بالدلم
صليت فانبعثت ذكرى مع الألم
قد كان ذا المسجد المحبوب مزدهراً
بالوعظ والدرس والتذكير بالحكم
عهد الصبا وعهود الأنس قد رحلت
ولن تعود بنيل المال والحشم
عهد الطفولة ما أحلى تذكّره
فيه البراءة من حقد ومن لمم
إن البيوت التي قد كنت أعهدها
حلَّ الخراب بها والبعض كالعدم
وصار عمرانها قطعاً مفرّقة
شرقاً وغرباً بشكل غير منتظم
وفي البيتين السابقين توارد خواطر بين معالي الشيخ وبين الدكتور ناصر العرفج وهما متقاربان في السن وفي مقدار حبهما للدلم، وفي قصيدته الثانية (حبيتبي دلم) يقول الشيخ راشد:
قد كنت عاصمة للخرج أجمعه
والآن تابعة صبراً لدنياك
قد كان فيك قضاة الخرج كلهم
حتى أتى السيح مدعوماً فأضناك
وفي أبيات لا تنقصها الصراحة والصدق يعبّر الشيخ عن حبه للدلم وأهلها بأسلوب واضح مشرق فيقول:
هبّ النسيم من الأوطان فانتعشت
مني المشاعر والأعضاء والفكر
أعظم بها ليلة نلقى صبيحتها
جلّ الأقارب والأصحاب قد حضروا
أهلاً وسهلاً وتكريماً ومعذرة
من طول غيبتنا والصفح ننتظر
والله ما ساءنا منكم معاملة
ولا زهدنا، فقولوا ذنبكم هدر
يا حبذا دلم والساكنون بها
وحبذا أرضها بالشعب تزهر
سهل خصيب به نخل وفاكهة
والخرج من قدم بالقمح تشتهر
هذه بلادي التي عشت الشباب بها
نعم البلاد ونعم الأهل والأسر
يقول الشيخ في مناسبة القصيدة: في عام 1374هـ أصبت بمرض في رجلي، وآلمني ألماً شديداً، وفي أثناء المرض توجهت إلى بلدي الدلم بالخرج بعد طول غياب وأنشدت هذه الأبيات.
قلت: كان عمر الشيخ آنذاك ثلاثين سنة، وقد ذهب من الدلم عام 1371هـ بعد انتقال شيخه الشيخ عبد العزيز بن باز من الدلم، حيث كان قاضياً بها لمدة أربعة عشر عاماً.. وبهذا نعرف أن المدة التي أشار إليها بـ(طول غياب) هي ثلاث سنوات فقط! وقد عدَّها الشيخ طويلة لشدة حبه للدلم وشغفه بها - حفظه الله وأعظم له الأجر والمثوبة- .
مما تقدم نخلص إلى النتائج التالية:
أ - أن الشعر الذي قيل في الدلم والخرج كثير ومتفرّق في الدواوين المطبوعة والمخطوطة لعدد من الشعراء وهو جدير بالدراسة الأدبية الوافية عسى أن يتيسر لأحد أبناء المنطقة دراسته في عمل علمي محكم.
ب - أن ذلك الشعر وثائق تاريخية مهمة، ومرجع نفيس للمؤرّخين فيجب المحافظة عليه وطباعته ودراسته.
ج - ان افتتاح جامعة سلمان بن عبد العزيز بالخرج قد وفر بيئة علمية لمثل تلك الدراسة فعسى أن تولي الجامعة ومنسوبوها ذلك عنايتهم.. والله الموفّق والمعين.
عبد العزيز بن صالح العسكر - عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية