يواصل هذا المقال ما سبقه حول آليات تطوير أعضاء هيئة التدريس كجزء من بناء المجتمع الأكاديمي الفعال.
خامساً: برنامج التزامل
هناك حاجة إلى وجود ما يُعرف ببرنامج (مينتورشيب) وهو برنامج يختلف عن الإشراف أو الإدارة المباشرة، يترجمه البعض ببرنامج الناصح أو التناصح، لكني أُطلق عليه مصطلحاً أكثر ودية، ألا وهو مصطلح التزامل، وفكرته الرئيسية هي تزامل عضو هيئة التدريس الجديد مع زميل صاحب خبرة أكبر في المؤسسة الأكاديمية، حيث يصبح العضو صاحب الخبرة هو الزميل الأكبر، ويصبح العضو المستجد هو الزميل الأصغر (ليس بالضرورة الأصغر في العمر ولكن في المهام)؛ ليوفر الزميل الكبير لزميله الصغير الدعم المعنوي والمهني اللازم، وليكتسب الخبرة، وليتعرف على النظم ويتأقلم على الأدوار والمهام الجديدة المطلوبة منه. هذا الأمر يحقق مساعدة العضو الجديد على اكتساب الخبرات من أصحابها الحقيقيين، ويساهم في الحفاظ على شخصية المؤسسة ومفاهيم العمل بها ونقلها من القدماء إلى الجدد وفق طريقة سلِسة ومرنة، وفي الوقت نفسه تعميق التعاون وتبادل الخبرات والمودة بين الأجيال العاملة بالمؤسسة. أهم عنصر هنا هو اختيار أعضاء أصحاب خبرات وقدرات شخصية على مساعدة الآخرين والأخذ بطريقهم نحو النجاح؛ ليكونوا الزملاء الأكبر للأعضاء الجدد من أعضاء هيئة التدريس. هذا الموضوع ليس ينطبق فقط على الموظف الجديد، بل حتى رؤساء ومديرو المؤسسات الكبرى يستفيدون من هذا المفهوم، ويتحولون إلى زملاء أصغر لموظفين آخرين في مجال معين، ويبرز المثال هنا في المجال التقني؛ حيث فوجئ بعض المديرين بوجود تقنيات تتطلب فهمها وتبنيها وليس بمقدورهم معاداتها، وفي الوقت نفسه لا بد من فهمها للتمكن من إصدار القرارات المناسبة حيالها من قِبل مؤسساتهم، مثل تقنيات الإنترنت والتواصل الاجتماعي الحديثة. في هذه الحال نجد أن مدير مؤسسة كبرى يستعين بأحد موظفي قطاع الإنترنت بمؤسسته؛ ليكون الزميل الأكبر له في هذا المجال، يشرح له الخلفيات التقنية وطرق الاستخدام وغيرها من الأمور ذات العلاقة بالاستخدام واتخاذ القرار، لصعوبة الالتحاق ببرنامج تدريبي رسمي في هذا المجال لمن هو في المستوى والمسؤوليات نفسيهما.
سادساً: جمعيات أعضاء هيئة التدريس
الاتجاه الثالث الذي أدعو إلى تبنيه، وقد يحتل الأولوية التي تسهم فيما بعد في تطوير بقية الأفكار الواردة أعلاه، يتمثل في إيجاد جمعيات/ اتحادات أعضاء هيئة تدريس بكل جامعة، وربما أخرى وطنية عامة. جمعيات علمية ومهنية، تتبنى قضايا التطوير المهني والعلمي ذي العلاقة بأعضاء هيئة التدريس والعمل الأكاديمي بصفة عامة، وتتجاوز أدوار الجمعيات التعاونية القائمة ببعض الجامعات والمحصورة مهامها في الجوانب الاجتماعية والخيرية والاستثمارية..
حالياً، لا يوجد لدينا جمعيات أعضاء هيئة تدريس، فمن هي الجهة التطوعية المهنية غير الرسمية أو التنفيذية، التي تناقش القضايا الأكاديمية وشجون وهموم أعضاء هيئة التدريس؟!
الحوافز المادية لا تكفي لبناء الرضا الداخلي لأعضاء هيئة التدريس وإنما يجب أن تساند ببناء البيئة الأكاديمية المحفزة والتفاعلية؛ لذلك كررنا أن وظائف الجامعة تتجاوز مجرد التدريس والبحث وخدمة المجتمع، وأشرنا إلى أن أحد أهم الوظائف هو بناء المجتمع الأكاديمي بعناصره كافة، وأحدها حياة أعضاء هيئة التدريس وبيئة عملهم بالجامعة.
في مقالات قادمة نتطرق إلى عناصر أخرى في جسد المجتمع الأكاديمي.
malkhazim@hotmail.com