هل يُمكن أن يكفّ «رجال» النظام العلوي في دمشق، وأتباعه وأذنابه وأزلامه ومرتزقوه من المُحلّلين والكتّاب والخطباء عن ترديد العبارة المُملّة: «في هذه الظروف الحساسة التي تمرّ بها سورية، بفعل المؤامرة الكونية، الصهيونية الأمريكية، التي يتعرّض لها»، خاصة حين يُتحفوننا بسحنهم الاستعراضية المُتبلدة على الشاشات؟
مضى على هذه الظروف، وهي دقيقة وحساسة ومصيرية ومُفصلية، نحو نصف قرن.. ألم يُؤذن لها، مع الثورة السورية، لأكثر من 13 شهراً، أن تكون ظروفاً مُفرحة؟ هل مضى يوم، منذ حكم العلويون سورية، نام فيه السوريون غير مُرتاعين، واستيقظوا مُنتعشين من الفرح؟.
أذكر قبل سنوات أن سألتُ محمد الماغوط، إبان زيارة لبيروت، ما الذي كان سيهديه إلى أمه في عيد الأم، لو كانت لا زالت حيّة..
ذلك العبقري الذبيح، الذي لم يسمح ولا لحظة واحدة للبوم بأن يحطّ عليه، قهقه ضاحكاً، كئيباً يرزح بين أنياب الكابوس، وقال:
من قبيل التخيّل الافتراضي الكاريكاتوري، أتمنى أن أوقظها صباح عيد الأم وأساعدها على ارتداء ملابسها، وأغسل لها وجهها ويديها المعروقتين، وقدميها الُمتعبتين، واُقبّلهما حتى الثمالة، ثم ألفّها كلها، بعكازها وظهرها المُحدودب وفانوس تنقلاتها، بورق السلوفان، وآخذها بيدي، وأهديها هي إلى أحد أقبية المخابرات السورية.. ليرفعوا قدميها العجوزين البائستين أمام عيني، ويجلدوها على قدميها وظهرها ورأسها وتجاعيد وجهها، حتى تكلّ أيديهم.. لأنها ولدتني في سورية..
وصل السوريون إلى مرحلة لم تعُد الحياة في نظرهم شهوة، بل عبء كابوسي مرعب، ولم يعد الخوف فيها خوفا من الموت، بل من الذل والإهانات، وأمامهما أصبح الموت برصاصة أو بقنبلة أو بصاروخ.. هدية.
الشعب السوري يغرق في دماء شبابه وشيبه ونسائه وأطفاله، فيما محللو سياسة النظام العلوي وإستراتيجيوه يغرفون من الاجتهادات ما تشمئز منه النفس البشرية السويّة، لدى ملامسة العين مشهد جثامين الأطفال المسجاة في الشوارع والطرقات وعلى أبواب المساجد، يتشاطر المحللون والإستراتيجيون، إياهم، برمي مسؤوليتها على بعبع العناصر المسلحة.
الواقع الراهن يُشير إلى أن المذابح والمجازر مستمرة داخل الأراضي السورية وخارجها، لتمكين النظام العلوي من متابعة إبادته الشعب، وقمعه كل صوت يحتج ويرفض.
اليوم، عندما يُدمّر الجيش العلوي المدن والقرى وينحر سكانها السنّة كالنعاج، تبقى قلوب المسؤولين في المجتمع الدولي عمياء عن الجهة التي تتم إبادتها، ويبقى حوار الطرشان هو السائد حول ملهاة كوفي عنان.
لقد تعرّى الجميع ببطء، فيما الساعة العربية توقفت عقاربها.
Zuhdi.alfateh@gmail.com