الأزمات التي تتوالى في مصر لم تحصل عبثًا وليس من فعل خارجي مباشر حتى وإن كانت هناك مصلحة وتدخلات أجنبية تريد أن تبقى مصر ضعيفة، إلا أنه وبعدم وجود عنصر داخلي على استعداد لمساعدة الأجانب على العبث في الشؤون الداخلية لوطنهم لا يمكن أن يحدثوا كل هذا التخريب الذي نشهده في مصر والمستمر منذ أكثر من 16 شهراً.

طغيان المال السياسي وتغلغل رجال الأعمال في نظام الرئيس السابق حسني مبارك كان أحد أهم أسباب انهيار النظام وفشله في إقامة نظام عادل يراعي حقوق الطبقات المحتاجة إلى دعم ورعاية النظام، فرجال الأعمال الذين أخذوا بناصية الحكم؛ إذ كان معظم الوزراء ممن ينتمون إلى هذه الفئة التي يهمها قبل كل شيء مضاعفة ثرواتها، أفقر الشعب المصري وهمش الطبقة الوسطى موسعاً دائرة الفقر مقابل ظهور طبقة طفيلية من «القطط السمان» الذين خرجوا من تحت رداء رجال الأعمال والذين جمعوا ثرواتهم بأساليب ملتوية معظمها جاء على حساب المال العام.

المصريون نجحوا في إسقاط نظام حسني مبارك، إلا أنهم لم يوقفوا تدخل المال في توجيه السياسة المصرية، ثورة 25 يناير أخرجت المال السياسي عن توجيه النظام عبر إدخال رموز رجال الأعمال للاعتقال وإبعادهم عن الوزارات، إلا أن المال الذي كدسه رجال الأعمال أو أثرياء عهد مبارك اتجه إلى قناة أخرى لتقل أهميته في صنع السياسة الداخلية؛ فبدلاً من إدارة حزب النظام وإدارة الوزارات، أداروا الإعلام وخاصة الإعلام الفضائي التلفزيوني، وعبر السيطرة وامتلاك المحطات التلفزيونية الفضائية، أصبح رجال الأعمال المصريون يسيطرون على توجيه الرأي العام المصري، وتوصل باحثون سياسيون وإعلاميون إلى نتيجة مفادها من أن معظم الأزمات التي شهدتها مصر كان وراءها الإعلام الفضائي، وخاصة من خلال ما يطرح في برامج «التوك شو» التي تستضيف كل من هب ودب، وبث معلومات غير دقيقة وأغلبها مغلوطة إن لم تكن كاذبة، ولاحظ واضعو الدراسة من المتخصصين أنه رغم تردي الوضع الاقتصادي وتوقف عجلة الإنتاج تقريباً وتأثر الشركات والصناعات وتعرضها لخسائر كبيرة، إلا أن مساحات الإعلانات وساعات البث تضاعفت والأموال التي تصرف على الإعلانات في تزايد، مما يؤكد أن رجال الأعمال الذين أبعدوا عن الوزارات عادوا للتأثير على الشأن الداخلي عبر المال السياسي والسيطرة على الإعلام ليس لتوجيه الرأي العام فحسب بل لتأسيس قاعدة سياسية منظمة من خلال تبني توجهات سياسية تخدم مصالحهم والتي ليست بالضرورة تتوافق مع سعي الشعب المصري للتغير الإيجابي.