فيما تقرأ هذا المقال سيكون السفير السعودي لدى جمهورية مصر العربية قد عاد للقاهرة لممارسة نشاطه الاعتيادي، وعادت البعثات الدبلوماسية السعودية للعمل في قنصليتَيْ الإسكندرية والسويس بعد أيام معدودة من دعوة الرياض سفيرها للتشاور. وقد يكون عاد على الطائرة نفسها التي حملت وفداً مصرياً رفيع المستوى، يتقدمه رئيس مجلس الشعب المصري للمملكة، واستطاعت احتواء الأزمة الدبلوماسية التي حدثت على خلفية توقيف محامٍ مصري في مطار جدة بحوزته حبوب مخدرة.
وهي الحادثة التي استُغلت من قِبل البعض للتجمهر ومحاولات اقتحام وتخريب من قِبل بعض المتظاهرين أمام السفارة، ويمكن القول بوضوح إن هدف خلق توتر في العلاقات السعودية - المصرية قد جاء بنتائج عكس الأهداف التي سعى إليها من صعَّدوا الأحداث، واستغلوا حدثاً عادياً لخلق شرخ في علاقة أهم بلدين عربيين.
“فالتاريخ المشترك ليس صفحة عابرة، يمكن لأي كائن من كان أن يعبث بها”.
و”الشعب المصري تربطه بالشعب السعودي أواصر متينة وعميقة عبر التاريخ، لا يمكن أن تتأثر بحادث عابر”.
إذاً، يمكننا أن نقول إن الزوبعة المفتعلة التي تتمثل في إيجاد قطيعة بين البلدين، بعد تسجيل الموقف السعودي الحازم، ثم العقلانية في المعالجة، تبعها الموقف المصري الجاد والواضح من فعاليات عدة رسمية وشعبية.
لكن هذه الحادثة لن تكون النهاية؛ فالحالة المصرية الإعلامية والشعبية لديها ظرف خاص، بل استثنائي، حالة أقرب للفوضى منها للمخاض، ولا أحد يمكن لها الجزم بموعد استقرار دولة المؤسسات وإمساكها الكامل والضبط المدني الذي يرقي لمستوى دولة حضارية ومهمة مثل مصر وتأثيرها وتاريخها. ولحظة كتابة هذا المقال هناك أكثر من 100 إصابة في تجمهرات الجمعة، والفوضى تتصاعد.
صحيح أن هناك رأياً وتحليلاً يفترض وجود أياد خارجية خلف الفتنة في العلاقات السعودية - المصرية، لكن لا يمكن رمي الشماعة على الأيادي الخارجية والتوقف. هناك ظروف معروفة في الساحة المصرية اليوم، ويمكن استغلالها من أطراف عدة، أو حتى انفجار احتقان ما لأسباب نفسية أو وضع متأزم.
إلا أن عودة السفير السعودي والبعثات السعودية لممارسة عملها ستحتاج إلى تحول جديد، أو إطار عمل سعودي جديد لمواجهة المرحلة، والعمل باستمرار وضع عين مستقبلية للعلاقة السعودية - المصرية، ومراقبة مؤشرات التأزم، وتصحيح المفاهيم العابثة، والتصدي الفاعل للشائعات وتدويرها.
لا شك أن السفير أحمد قطان سجَّل حضوراً لافتاً وتعاطياً واعياً مع الأزمة، وله حضور إعلامي مقدَّر جداً وفعال وواثق ومميز، لكن في وضع معقد ومتداخل كالحالة المصرية وحده لا يكفي، بل يتطلب جهداً واسعاً خارج التقليدية، وحتى الرسمية يمكن له التفاعل مع الوسائل الإعلامية والقوى المحترمة والمؤثرة والموضوعية.
سياسة إطفاء النار صعبة ومكلفة، وقد تؤدي إلى تآكل بعض الواقع أو تشوهه، والأسهل والأقل خسارة دائماً القضاء على الشرارات الأولى.