** في ممارسة سائدةٍ يتطرف “الرسميُّ” مدحًا ويقابله “الشعبيُّ” قدحًا، ويستلذُّ كلا الطرفين بالمبالغة في موقفيهما؛ ما يضاعفُ حجمَ المسافة الفاصلةِ بينهما، ولا بأس إن أضحت المنهجيةُ ضحيةَ الاندفاع خلف الذات “الراضية أو الغاضبة” فينسى بعضُنا ألا كمالَ لعمل بشري كما لا يعدمُ السيئُ ملامحَ إيجابية.
** مرت الحقبةُ التأسيسية في إدارتنا المعاصرة بمرحلة طويلةٍ لم يكن فيها لإدارات العلاقات والإعلام وجود، ويُروى عن أستاذنا فهد الدغيثر- وهو قامةٌ إداريةٌ فارهة اعتزل مبكرًا “1977م “فكسب نفسه وخسرناه- أنه لم يكن مؤمنًا بإنشاء إدارات للعلاقات في الأجهزة الحكومية وطبق ذلك في معهد الإدارة زمنًا، ثم أنشئت وحدة صغيرة، ولم يهتمَّ سلفُه الدكتور محمد الطويل بها كثيرًا،ويذكر صاحبكم أنه وزملاءَه من المعنيين قد واجهوا صعوبةً في إقناعه ببعض المناشط الإعلامية التي توفر لها أجهزة حكومية إمكاناتٍ بشريةً وماديةً ضخمة، وما تزال إدارة العلاقات والإعلام في المعهد هي الأقلَّ حضورًا في واجهة الإعلام الحكومي.
** ليس الحديثُ مفتوحًا لتأكيد فاعلية نظرية التناقل الشفاهي W.O.M التي تتحرك بمتواليةٍ هندسيةٍ لتعميم الفكرة المُرادة ؛ وهو ما لاتصنعه الوسائلُ التقليديةُ والرقمية، والمعهد - في زمنه الماضي - مثلٌ على ما حققته سمعته الذهبية لا الإعلاناتُ المدفوعةُ ومعلقاتُ المديحِ شبهُ المدفوعة، وهنا يبدو التضاد بين الرسمي والشعبي مفهومًا ؛ حيث لا يجد الوسيطُ الإعلامي المباشر مصداقيةً بين الجماهير ؛ وربما غُمط إنجازٌ حقيقي في ظل التشكك بموثوقية أجهزة العلاقات ودافعيةِ المتحدثين بأسمائها.
** المفارقةُ هي أن بعضَ أساتذةِ الإعلام وأقسامِه يدعمون تضخيم الصوت الدعائي وتكثيفَ أدواته بالرغم من أن التوجهَ الأحقَّ هو تخفيفُ المباشر منه حتى إنهائه ، وهو ما ينطبق على أهمية إلغاء وزارة الإعلام ومّأسسة أجهزتها، والبديل هو العمل الحقيقي في الميدان والتوجه للرأي العام عبر مشروعاتٍ حقيقية يرونها ويتناقلون الإشادة بها،ودعم إدارات الخدماتِ العامة لقضاء مصالح لجماهير والتواصل معهم لحلِّ المشكل وإجابة الاستفهام.
** “ليس راءٍ كمن سمع” في مثلنا العربي، كما أن المعاينة هي التصديق - كما يقول المثل الأجنبي-، ومهما حكت الوزارات عن نفسها دفاعًا أو اندفاعًا فلن تقنعَ ذا الحاجة للأمن والتطبيب والتعليم والحياة الكريمة ما لم يرَ ذلك بنفسه أو ينقلْه له ذو ثقة، وهنا يتحكم الشعبي، في حين يبقى الرسميُّ مصحوبًا بعلامات تعجب واستفهام.
** وسواءٌ أتحدثنا عن القطاع الحكومي أم الأهلي أم الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني فإن كل البهارج تتوارى أمام هبّة انتقادٍ صغيرة صادقة ؛ ما جعل الإعلام الرقمي والفضائي يتفننُ في تكبير السلبي وتحجيم الإيجابي دون التفاتٍ إلى ما يُرصد من موازنات للإعلان الظاهر والمستتر وما قد يتبعُها من هبات وأعطيات.
** الضوءُ يقود بنفسه.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon