* أصبحت الاستفتاءات ظاهرة ملفتة للانتباه في الإعلام السعودي، بل صار لكل جريدة وبرنامج رأي أو قرار يستفتون فيه القراء والمشاهدين، ويبحثون عن رقم أو نسبة تعزز وجهة نظر الجمهور أو قرار المسؤول، وعلى سبيل المثال كشف استطلاع للرأي على الموقع الإليكتروني الشهير سبق، أن 88 في المائة من زوار موقع الجريدة لأيام، غير راضين عن مستوى الخدمة الصحية المقدمة لهم في مناطقهم، فيما أعلن 5 في المائة رضاهم عن هذه الخدمات، وقال 7 في المائة إنهم راضون إلى حد ما، في استفتاء شارك فيه 66393 من زوار الموقع الإليكتروني الشهير.
* لو فرضنا صحة المنهج العلمي في استفتاء “سبق”، لوجب على مسؤولي وزارة الصحة أن يتركوا مناصبهم لمن يستطيع أن يرفع من نسبة الرضا المتدنية جداً عن مستوى الخدمات الصحية، وما يجعلني أتوقف عن الأخذ بصحة نسبة الاستياء العالية من سوء الخدمات الصحية، عدم اتباعها للأسلوب العلمي، وقلة أعداد المشاركين عند المقارنة بعدد سكان المملكة، خصوصاً أن الموضوع حيوي وحساس ويهم المواطنين كافة، وأيضاً لارتفاع مستوى الخدمات الصحية في السعودية عند مقارنتها بالدول العربية ومعظم الدول الآسيوية وشرق أوروبا، وهذه كلمة حق أشهد بها، فقد تطورت الخدمات الصحية خلال العقدين الماضيين بصوره فوق المتوقع، وزادت أعداد الكوادر البشرية المؤهلة إلى نسب جيدة، لكن ذلك لا يعني أنه لا يوجد قصور، فالخدمات الصحية تحتاج في هذه المرحلة إلى التنظيم وتشجيع العمل المؤسسي، وتطوير الخدمات الطبية في المناطق النائية، ومحاربة المحسوبية، وإلى ربط المكافأة والحافز بالخدمة والإنتاج، ولو حدث ذلك سنصل بإذن الله إلى مصاف الدول المتقدمة في وقت قياسي.
* لكنني تفاجأت بسيكولوجية الجماهير وتناقض اهتماماتها في الشؤون العامة، والتي يبدو أنها تحتاج إلى دراسات أكثر على المستوى المحلي، فالجماهير كان اهتمامها بالاستفتاء الهام عن الخدمات الصحية في جريدة سبق أقل بكثير من الاستفتاء حول الكادر الصحي الموحد الذي طرحته قناة MBC لساعات في برنامج “الثامنة مع الإعلامي المميز داود الشريان”، والذي استضاف في حلقته مساء السبت الماضي معالي وزير الصحة د.عبدالله الربيعة، حيث أبدى، حسب النتائج، عدد كبير من الممارسين رضاهم عن الكادر الصحي الجديد، في استفتاء شارك فيه أكثر من 347 ألف شخص، وقد كانت الخيارات: (1) الكادر الصحي الجديد.. سيفضي إلى المساواة بين الأطباء والفنيين في القطاع الصحي، و(2) هجرة الأطباء السعوديين المتميزين، و(3) إضعاف المستشفيات التخصصية؟”، وكانت النتائج أن صوّت لصالح الخيار الأول 325253 شخصاً بنسبة كبيرة جداً بلغت 93.624 %، أما الخيار الثاني فلم تصوت له إلا نسبة 5 %، في حين أن الخيار الثالث حظي بنسبة متدنية جداً بلغت أقل من 1 %.
* بعد نهاية البرنامج، ظهرت علامات الاستفهام والتعجب على تعليقات عدد من الممارسين الصحيين السعوديين، وتساءلوا عن سر ذلك الاهتمام الكبير باستفتاء برنامج الثامنة حول الكادر الصحي، في ظل وجود عدم وضوح في صيغة الخيار الأول والذي نال أكثر من 90% من التأييد، فالخيار يقول إن الكادر سيفضي إلى المساواة بين الأطباء والفنيين في القطاع الصحي، وهذا ليس صحيحاً، وهل يُعقل أن الممارس الصحي أو المواطن السعودي لا يفرقان بين مهنة الطبيب والفني، وأن يطالبا بوجوب المساواة بين الطبيب والفني في الكادر الصحي.. وهل يعلم المواطنون أن السلم الصحي الجديد يوحد بين رواتب الأطباء بغض النظر عن تخصصاتهم وإنتاجهم وإنجازهم وخدماتهم المميزة للمريض، كما يوحد بين الممارسين الصحيين في تخصصات الصيدلة والتمريض وغيرها دون التفريق في طبيعة العمل والتخصص، فعلى سبيل المثال لا يفرق السلم بين مهنة ممرض العناية المركزة أو الإسعاف، وبين ممرض العيادة الخارجية.
* كذلك لم يوفق البرنامج حسب رأيي في طرح الاستفتاء على قرار تم اتخاذه، وكان من الأنسب أن يُستأنس بالرأي العام والخبرات الطبية المحلية قبل إصداره، وبالإضافة إلى أن صيغة السؤال كانت غير صحيحة، تمت صياغة خبر نتائج الاستفتاء إعلامياً كالتالي “أيد الممارسون الصحيون السعوديون 325253 ألف ممارس صحي المساواة بين الأطباء والفنيين؟”، في حين لا يصل بأي حال عدد الممارسين الصحيين السعوديين إلى هذا الرقم أو حتى إلى ثلثه، ولا أدري لماذا تذكرت استفتاءات برنامج شاعر المليون بعد نهاية البرنامج.!