تأتي أهمية مشاركة المرأة السعودية السياسية من خلال القرار الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين في 25 سبتمبر 2011 باعتبار هذا القرار يؤنسن لوجود المرأة كنصف المجتمع، وفي كونه سيؤسس للبنية التحتية للمشاركة الشعبية للمرأة لاحقاً من خلال تدريب الكوادر النسائية فيه.إن وجود المرأة في هذه المواقع رغم
رمزيته الشديدة بالنظر للوضع القانوني الضعيف للمرأة أصلاً وبالنظر لطبيعة تكوين مجلس الشوري نفسه لكنه في كل الأحوال يبقى قراراً مهماً بسعي لإعادة إصلاح العلاقة المختلة بالمرأة في الذهن الجمعي وبصورتها التي كرستها الثقافة السائدة وخاصة خلال السنوات الأربعون الماضية (التي عرفت ازدهار التيارات الصحوية وسيطرتها على وسائل التعليم والإعلام) فكرست صورة المرأة كمخلوق عاطفي (غير عاقل) لا يستطيع اتخاذ قرارات عاقلة. وجود المرأة في مواقع التأثير في صنع القرار السياسي سيساعد على تأسيس علاقة أكثر صحة من قبل ثقافة المجتمع بصورة المرأة.
السؤال: كيف تتحقق المشاركة الفاعلة للمرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية رغم ضعفهما التكويني؟
في خلال بحثي وتفكيري في إجابة هذا السؤال طرحته في تويتر لأعرف كيف يرى الناس مفهوم المشاركة الفاعلة للمرأة فكانت الإجابات كالتالي:
- أن لا تتوقع المرأة أن وصولها إلى مجلس الشوري أو المجالس البلدية سيحل مشاكلها دفعة واحدة. وهذه نظرة إلى أن نكون واقعيين في (توقع النتائج من هذه المشاركة)، (المرأة صجة. الله يعين)، (اللوائح والأنظمة هي ما يحرك المؤسسات ومن غير فهم ودراسة لهذه الأنظمة ومحاولة تغييرها فستكون مشاركة المرأة صورية). وهذا كله صحيح مع مراعاة بعض الجوانب المهمة مثل:
- عدم توقع الفشل أو النجاح من المشاركة الأولى: ستكون العيون مسلطة على هؤلاء النساء بل ربما ونظراً للمخزون الثقافي المتراكم الذي يشكك في قدرة المرأة ككائن عاقل سيتوقع الآخرون الفشل وسيحاولون أن يهبطوا من قدرات المرأة، ولذا فمن المهم للمرأة تغيير رؤيتها الذاتية عن نفسها لأن ذلك سينعكس على طريقة معالجتها للقضايا المعروضة عليها وعلى طريقة دفاعها عنها. نحن النساء نميل إلى التنازل بسرعة حين يعترضنا عائق ونخاف من المغامرة وهذا ما يسهل استغلال الطرف الآخر وتجاوزه لرغباتنا. الثقة في النفس أمام تحديات البيئة الثقافية ليس سهلاً. الكثير من الرجال الذين شاركوا في هذه المؤسسات لم يكن لديهم خبرة سابقة وبلا شك احتاجوا زمناً للتعلم والتمرس وهذا حال المرأة وحتى في حالة الفشل فهو وارد بالنسبة للمرأة والرجل على حد سواء.
- المساهمة الفاعلة تأتي من طبيعة الدور الذي ستلعبه المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية: هل وجودها شكلي فقط كمحسنات إعلامية. هل سيسمح لها بالمشاركة في كافة اللجان أم سيقصر دورها على لجان يعتقد بأنها ستفلح فيها مثل لجان المرأة والطفل. نعم، هذه لجان والقضايا التي تتناولها ذات أهمية لكن المرأة مواطن أيضاً إضافة لكونها امرأة والتحجج بكونها أنثى لحصر اهتماماتها في قضايا نسائية هو تحجيم للدور الذي ستلعبه في المجلس.
- ستعاني المرأة من قلة الخبرة في المجالات ذات البعد السياسي مثل كيفية تشكيل الوعي الانتخابي لدى فئات المجتمع وكيفية تنظيم وقيادة الحملات الانتخابية.. إلخ؛ مما سيؤثر على قدرتها في الوصول إلى المقاعد ولذا فالتدريب مطلوب والكثير من المنظمات العالمية ومنظمات الأمم المتحدة والجمعيات النسائية تتطلع إلى مساعدة المرأة في ذلك إضافة إلى إمكانية الاستفادة من التجربة المحلية لمجموعة بلدي التي عملت لسنوات على حملة الدفع بمشاركة المرأة في المجالس البلدية، كما يمكن إيجاد مجموعات محلية في كل منطقة لدعم المرأة ونشر التدريب.
- ضرورة جمع بيانات ومعلومات عن النساء النشيطات لإشراكهن في البرامج والدراسات التي تصدر من المجالس ولطرح أسماء بديلة ومتنوعة.
- المشاركة يجب أن تشمل كل النساء في كافة المناطق بعيداً عن التحزبات القبلية والشخصية والعرقية والمناطقية والاقتصادية. الكثير من النساء يعانين من التجاهل لأسباب تتعلق بظروف تعليمهن المحدود أو أوضاعهن الاقتصادية أو قبيلتهن أو مذهبهن. القدرة على التعامل بعدالة وبعيداً عن الفوقية أو الخصوصية الثقافية ومحاولة تجنب ما يمكن تسميته (بمتلازمة المدن الرئيسية) والذي يعني حصول المدن الكبرى أهم الخدمات، كما يصل الناس فيها بشكل أسرع إلى المناصب.. إلخ.
- معرفة المرأة بقائمة الأولويات التي تهم المؤسسات التي تمثلها، وذلك من خلال الاطلاع على نشاطات الجمعيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني للتعرف على أعمالها وحاجة جمهورها وتمثيل تلك الاحتياجات في المجالس التي تنتخب لها.
- تعد الكثير من اللوائح والأنظمة المعمول بها في المملكة أحد العوائق المباشرة لحصول المرأة على الكثير من حقوقها المشروعة، ولذا فإن من أهم العوامل التي تجعل المرأة ذات أثر في أعمال مجلس الشورى هو التعرف على تلك اللوائح والأنظمة وأساليب تطبيقها والصعوبات التي تكتنف المرأة من خلالها والمشاركة (بشكل إيجابي) وليس مجرد تواجد في اللجان المختلفة داخل مجلس الشوري والتي تهدف إلى إعادة النظر في تلك اللوائح لتعديلها. اللوائح والأنظمة هي ما يسير المؤسسات ومن غير أن تكون المرأة فاعلة في تعديل وإيجاد الأنظمة المساندة للمرأة وللمواطن عامة فلن تكون فاعلة.
- ستعاني المرأة من النظرة الاجتماعية السلبية لكثير من الفئات الاجتماعية لطبيعة مشاركتها وهذا ناتج عن موروث اجتماعي طويل وسيصعب التخلص منه في فترة قصيرة ولعل لنا خير مثال في العديد من دول الخليج مثل قطر والبحرين وحتى الكويت والتي رغم التوجه الإيجابي للدولة فيها تجاه المرأة لكن تاريخ المشاركة السياسية لهذه المرأة ليس بالسهل، وعانت الكثير من تجاهل الناخبين لها واحتاجت ولا زالت إلى الكثير من الوقت لتدريب المجتمع على تواجدها في هذه المواقع.
- وجود المرأة في مجلس الشوري وتدربها في المجالس البلدية يمهد لخلق المرأة السياسية التي يمكن أن تحتل مواقع متقدمة في مجال صنع القرار لاحقاً. إنه بذرة توجد التدريب وتقرب من العمل العام بما يمهد لخلق شخصيات ربما تعهد لها السلطة السياسية ببعض المناصب المؤثرة في السلم السياسي.. ومرة أخرى لنراقب مسيرة دول الخليج القريبة.
- محاولة تجنب العراقيل البيروقراطية والتقليدية التي يمكن أن تعرقل عمل المرأة الأساسي والانشغال به عن العمل الحقيقي وعن الهدف من وجود المرأة في المجلس وأقصد تحديداً ما يسمى بالإجراءات اللوجستية من مثل أين تدخل، وأين تجلس وكيف تجتمع مع اللجان المختلفة وهو القلق الحقيقي عند البعض.
- يجب أن نتذكر أن هناك الكثير من الفئات الاجتماعية، ومنهن الكثير من النساء لا زالت تمانع دخول المرأة في الحياة السياسية، وهذا شيء طبيعي، وسيحتاج إلى وقت حتى تتقبل هذه الفئات هذا الحدث مثل ما حصل مع تعليم المرأة والدش والعمل في البنوك والكاميرات في الجوالات وكل تغيير يهدد فكرة الأدوار التقليدية للمرأة، إضافة إلى أننا في المجتمعات الحديثة اليوم نؤمن أن من حق كل إنسان أن يقبل أو يرفض أي فكرة طالما استخدم وسائل سلمية للتعبير عن رفضه على أن لا تعرقل جهوده (التي نراها كأطراف مضادة) (سلبية) حركة التحديث والديمقراطية والحقوق العادلة لكل المواطنين.