مما يميز هذه البلاد بحمد الله تعالى أنها أنشأت هيئة مختصة للإفتاء والفصل في المسائل الشرعية التي يحصل فيها لبس أو قصور في الفهم بسبب الجهل بالدليل والمصلحة الراجحة ونحن على هذا المنوال منذ إنشاء هذه اللجنة عام 1391هـ حيث يتم الرجوع إلى هيئة كبار العلماء في المسائل الشرعية الهامة وفي كل ما يستجد من قضايا شرعية والبت فيما يحصل فيه لغط أو خلط.. وقد تولت اللجنة بحمد الله بيان ما تراه معتمدة على ذلك بمصادر التشريع الإسلامي عن علم وبصيرة، وقد سبق أن صدر أمر ملكي بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء أو من تم اعتبارهم من قبل الهيئة، كل ذلك خوفاً من أن يستلق جدار الفتوى من ليس أهلاً لذلك فيحصل الضلال والإضلال، وتم استثناء الفتاوى الفردية غير المعلنة في أمور العبادات والمعاملات.. وتم التأكيد في ذلك الأمر الملكي الكريم على منع طرح الآراء الشاذة، ومفردات أهل العلم المرجوحة، وأقوالهم المهجورة!! ومحاسبة من يخالف ذلك كائناً من كان.
فلذلك لا يحسن لأي طالب علم أن يستبد برأيه ويعرضه على العامة مخالفاً آراء كبار العلماء الذين شابوا في العمل والتعليم منذ أن كان في المهد صبياً! دون مراجعة القول خاصة إذا كان يخالف السائد والمعمول به، مع أن دور الافتاء قد فتحت أبوابها لمن أراد أن يعرض رأيه ويناقش حوله بما لديه من أدلة حيث المكان الصحيح لمناقشة مثل هذه الأمور التي سار عليها العلماء جيلاً بعد جيل، فليست الصحف الوسيلة الصحيحة لطرح هذه المسائل الهامة.
كتبت ما سبق حينما قرأت ما نشر في الصفحة الأخيرة من عدد الجزيرة 14432 حول إغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة وما ذكره كاتبه عضو هيئة التحقيق والادعاء العام عبدالله العويلط من أن ذلك (بدعة لا أساس لها من دين أو عقل)!
ولا أدري هل لديه أدلة شرعية خفيت على كبار العلماء منذ القدم! وأراد أن يكون له سبق في ذلك؟! أم أن عقله هداه لذلك؟! ولست هنا بصدد مناقشة هذا الموضوع الذي تكلم فيه العلماء وبينوا الصواب فيه حيث استغرب العلامة ابن باز مفتي عام المملكة في وقته رحمه الله من يقول بهذا القول حيث قال: (لقد استغربت هذا المقال كثيراً وهو يدل على قلة علم كاتبه بالأدلة الشرعية) ثم ساق رحمه الله أدلة وجوب صلاة الجماعة إلى أن قال: (فالواجب على جميع الرجال أداء الصلاة في جماعة.. حيث ينادى بها ولا يجوز للدولة ولا رجال الحسبة أن يقروا أحداً على التخلف عنها من أصحاب الدكاكين والمتاجر أو غيرهم عملاً بالأدلة الشرعية).. فتاوي ابن باز رحمه الله 30-102
وقد صدر بيان لهيئة كبار العلماء حول هذا الأمر تم فيه التأكيد على وجوب الذهاب إلى المسجد بعد الأذان لأداء الصلاة في الجماعة وذلك في البيان ما نصه: (وفي هذه الأيام تنشر بعض الصحف مقالات لبعض الكتاب يهونون فيها من أهمية صلاة الجماعة في المسجد نظراً لأن بعض العلماء قال إنها سنة، ولهذا يستنكرون أمر الناس بها، ويستنكرون إغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة، ولا شك أن الواجب هو اتباع الدليل من الكتاب والسنة فيما دل عليه من وجوب صلاة الجماعة في المسجد، فهما حجة على من خالف في ذلك وفي غيره. وترى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء أن التهوين من أمر هذه الشعيرة في قلوب المسلمين مخالف لنصوص الكتاب والسنة..) وهذا البيان صدر برئاسة مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ بتاريخ 28-4-2010، فلماذا يحشر المرء نفسه في مسائل تحدث بها كبار العلماء عن علم وبصيرة؟ أم أن حب الشهرة يطغى على البحث عن الحق لدى البعض ليس إلا!
أتمنى أن يعي عضو هيئة التحقيق والادعاء خطورة التهوين من هذه الشعيرة العظيمة وألا يقحم نفسه في مسائل يجهل أدلتها حينما حكم أن لا دليل ولا عقل يدل عليها؟! فنحن نعرف علماءنا الكبار ونعرف تاريخهم الطويل في العلم وتبليغه بينما لم نعرف الباحث العويلط إلا في هذه المسألة التي أثارها بلا روية! وأشكر صفحتنا العزيز على اتاحة الفرصة.
عبدالعزيز بن عبدالله السعدون - بريدة