للتجربة في علم الاقتصاد أهمية كبيرة، إذ تُبنى على نتائج بعض التجارب نظريات اقتصادية يعتبرها البعض أفضل تمثيل للواقع من تلك النظريات التي تُبنى على فرضيات. ومهما يكن الأمر، فإن النظريات الاقتصادية عموماً تتطلَّب قدراً من الحذر في التعامل معها وهو ما يستدعي فهماً عميقاً لطبيعة تكوينها بحكم أنها تتعامل مع النفس البشرية التي لا تتصرَّف بالضرورة بالحكمة في كل الأحيان. وينطبق هذا الحذر على العلوم الإنسانية الأخرى وليس علم الاقتصاد فحسب. ومن التجارب الشهيرة التي يجدر بنا أن نذكرها في هـذا السياق، تجربة The Kahnman and Tversky Experiment التي أُجريت عام 1979م، إذ طُلب من مجموعة من الناس الاختيار بين برنامجين لعلاج 600 شخص تعرَّضوا لمرض عضال. الخيار الأول اتِّباع برنامج علاجي يُؤدِّي إلى إنقاذ حياة 200 شخص من الـ600 مريض. والخيار الثاني اتباع برنامج علاجي آخر يتيح فرصة بنسبة 33% تنقذ حياة الـ600 مريض مع احتمال نسبة فشل 66% وموت جميع المرضى. وقد اختار أكثر المشاركين في هذا الاستفتاء الخيار الأول مبرِّرين اختيارهم بأنهم فضَّلوا الرقم المؤكَّد لإنقاذ حياة 200 شخص على الأخذ بمبدأ المخاطرة وموت جميع المرضى. وأعاد الباحثان الاستفتاء، ولكن هذه المرة بخيارين جديدين. الخيار الأول اتباع برنامج علاجي يؤدِّي إلى موت 400 شخص من الـ600 مريض. أما الخيار الثاني فهو اتِّباع برنامج علاجي يعطي فرصة بنسبة 33% لإنقاذ حياة الـ600 مريض مع احتمال فشل بنسبة 66% وموت جميع المرضى. وقد اختار أكثر المشاركين في الاستفتاء الثاني الخيار الثاني مبررين اختيارهم بأنهم فضَّلوا تجنب موت 400 شخص. ولكن علينا أن نلاحظ بعد مراجعة نتائج هذه التجربة، أن النتائج في كلتا الحالتين واحدة، أي 200 شخص يتم إنقاذ حياتهم و400 شخص يموتون. والسؤال، ماذا استفدنا من هذه التجربة؟ هذه التجربة توضِّح الحكمة في عرض أي أمر. وهنا يجب أن نستفيد من خلاصة هذا الفكر في النظر والتمحيص في الكثير من القضايا الاقتصادية التي نمر بها كاقتصاد أو كمجتمع أو كأفراد. والمنطق في هذه التجربة يتمحور حول النظر إلى المكاسب والخسائر التي نجنيها من أي أمر في هذه الحياة الدنيا. وبمعنى أدق، كيف ننظر إلى المكاسب والخسائر وكيف نقيِّمها. ولعل هذا الفكر ينطبق على المثال التقليدي لفكرة نصف الكأس المملوء ونصف الكأس الفارغ، وكلاهما يُمثِّل الحقيقة. أما في هذه التجرب، فالأمر يتعلَّق بالنظرة الإيجابية في مقابل النظرة السلبية. وهذا ما يمكن استخلاصه من اختيارات الناس الذين يميلون إلى الجانب الإيجابي، وهم يعلمون أن في المقابل هناك جانب سلبي. هل هذا هو التفاؤل من منظور اقتصادي؟ قد يكون كذلك وقد لايكون. المهم أن نستخلص العبر من التجارب. فالتجربة مدرسة لا يتخرَّج منها إلا العقلاء.

*رئيس دار الدراسات الاقتصادية – الرياض