عدي بن حاتم بن عبدالله بن سعد الطائي، هو ابن حاتم الذي يضرب به المثل في الجود والكرم، كان زعيم قبيلته طيء في الجاهلية والإسلام، أسلم في السنة التاسعة من الهجرة، ولإسلامه قصة ذكرها ابن هشام بالسيرة النبوية.
قال عنه الزركلي في الأعلام: الصحابي أمير من الأجواد العقلاء، وقام في حروب الردة بأعمال كبيرة، حتى قال ابن الأثير: خير مولود في أرض طيّء، وأعظمه بركة عليهم، شهد فتح العراق، ثم سكن الكوفة، وفقئت عينه يوم حنين) مات سنة 68هـ (ثمان وستين) عاش أكثر من مائة، روى له المحدثون ستة وستين حديثاً 8-5 إلا أن الذهبي ذكر عن ابن الكلبي قوله: مات عدي سنة 67هـ، وله مائة وعشرون سنة، ونقل عن أبي حاتم السجستاني قوله: عاش عدي بن حاتم مائة وثمانين 180 سنة، وزاد المحقق في الهامش: قلما أمن من استأذن قومه في وطاء، يجلس فيه في ناديهم، وقال: أكره أن يظن أحدكم أني أرى لي فضلاً عليكم، ولكني قد كبُرْتُ ورقَّ عظمي، قال ابو اسحاق: رأيت عدياً، رجلاً جسيماً أعور، يسجد على جدار ارتفاعه ذراع (سير أعلام النبلاء 3: 165.
قال ابن كثير في تفسيره: عندما مر بقوله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} الآية.. التوبة31، وروى الإمام أحمد، والترمذي وابن جرير، من طريق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أنه لما بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأُسِرت أخته وجماعة من قومه، ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته، وأعطاها، فرجعت إلى أخيها ورغبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عدي إلى المدينة، وكان رئيساً في قومه طيء، فتحدث بقدومه فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عنق عدي صليب من فضة، ورسول الله يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} الآية.
قال عدي: قلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال رسول الله: (بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عدي ما تقول؟ أيضرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل تعلم شيئاً أكبر من الله؟ ما يضرك.. أيضرك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فعل تعلم إلهاً غير الله؟ ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم، وشهد شهادة الحق،فلقد رأيت وجهه استبشر، ثم قال: إن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون).. 2: 348.
أما عن تفصيل قصة اسلامه، فقد ذكر ابن هشام في سيرته أن عدياً كان يقول فيما بلغني ما من رجل من العرب، كان أشد عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سمع به مني، أما أنا فكنت امرءاً شريفاً، وكنت نصرانياً، وكنت أسير في قومي بالمركاع، وهو أخذ ربع الغنائم، فكنت في نفسي على دين، وكنت ملكاً في قومي، لما كان يقنع بي، فلما سمعت برسول الله كرهته، فقلت لغلام كان لي عربي، وكان راعياً لإبلي: لا أبالك أعدد لي من إبلي أجمالاً ذللاً سماناً، فاحتبسها قريباً مني، فإذا سمعت بحس لمحمد قد وَطِئ هذه البلاد فآذني ففعل. ثم إنه أتى في ذات ليلة، فقال: يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها، فقالوا: هذه جيوش محمد، قال: فقلت: فقرب لي أجمالي، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني، من النصارى بالشام، فسلكت جبل الجوشية قرب ضرية بأرض نجد، ويقال: الحوشية، فيما قال ابن هشام، وخلّفْت بنتاً لحاتم، في الحي فلما قدمت الشام أقمت فيها، وتخالفني خيل لرسول الله، فتصيب ابنة حاتم، في من أصابت، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من سبايا من طيء، وقد بلغ رسول الله هربي إلى الشام، قال: فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد، كانت السبايا يحبسن فيها، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة، فقالت يا رسول الله: هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك، قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم، قال: الفار من الله ورسوله؟ قالت: ثم مضى رسول الله وتركني. حتى إذا كان من الغد مرّ بي، وقال مثل الأمس فيئست منه، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه، قالت: وهذا في اليوم الثالث: فقمت إليه وقلت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي منّ الله عليك، فقال صلى الله عليه وسلم، قد فعلت فلا تعجلي بخروج، حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة، حتى يبلغك إلا بلادك، ثم آذنيني.
فسألت عن الرجل الذي أشار علىّ أن أكلمه، فقيل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة، قالت: وإنما أريد الشام آتي أخي، قالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قومي، لي فيهم ثقة وبلاغ، قال: فكساني رسول الله وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام.
قال عدي: فوالله إني لقاعد في أهلي، إذ نظرت إلى ضعيفة تصوب إلى تؤمنا. قال: فقلت: ابنة حاتم قال: فإذا هي هي، فلما وقفت عليّ، أخذت تلومني بحدة، تقول: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك، وتركت بقية والدك عورتك، قال:قلت: أي أخيه لا تقولي إلا خيراً، فوالله مالي من عذر، لقد صنعت ما ذكرت، قال: ثم نزلت فأقامت عندي، فقلت لها: وكانت امرأة حازمة، ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى أن تلحق والله به سريعا، فإن يكن الرجل نبياً، فللسابق فضله، وإلا يكن ملكاً، فلن تذل في عز اليمن، وأنت أنت، قال: قلت والله إن هذا الرأي.
قال عدي: فخرت حتى أقدم على رسول الله المدينة، فدخلت عليه، وهو في مسجده فسلمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقيل: عدي بن حاتم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق به إلى بيته، فوالله إنه لعامد بي، إذ لقيته أمرأة ضعيفة كبيرة، فاستوقفته، فوقف لها طويلاً، تكلمه في حاجتها، قال: قلت في نفسي والله ما هذا بملك، قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا دخل بي بيته، تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً، فقذفها إلي، فقال: اجلس على هذه، قال: فقلت: بل أنت أجلس عليها، فقال: بل أنت فجلست عليها، وجلس رسول الله بالأرض، قال: قلت في نفسي والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم: ألم تكن ركوسيا؟ قال: فقلت بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك، قال: قلت أجل والله، قال عدي: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل، ثم قال: لعلك يا عدي، إنما يمنعك من دخول في هذا الدين، ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم، حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة، تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخالف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه، أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض، من أرض بابل قد فتحت عليهم. قال: فأسلمت.
وكان عدي يقول: قد مضيت اثنتان، وبقيت الثالثة، والله لتكوننّ قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف، حتى تحج هذا البيت، وأيم الله لتكونن الثالثة لفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه (السيرة النبوية 4: 225 - 227).
وصفه الذهبي بالأمير الشريف، أبو طريف الطائي صاحب رسول الله، وقد وفد عليه فأكرمه واحترمه، وقال: له عدة أحاديث، وروى عنه الشعبي، وسعيد بن جبير وخيثمة بن عبدالرحمن وتميم بن طرفة وغيرهم، وكان أحد من قطع السماوة مع خالد بن الوليد إلى الشام، وقد وجهه خالد بالأخماس إلى الصديق، نزل الكوفة مدة ثم قرقيسيا من الجزيرة (سير أعلام النبلاء 3: 163). كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بعثه من قبل أميراً على طيء وصدقاتها (سيرة ابن هشام 4: 247).
قال ابن الأثير: إن أخت عدي سفانة سلمت لما أخذها المسلمون, ودعته إلى رسول الله فحضر معها عنده، فأسلم وحسن اسلامه، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم على أبي بكر الصديق في وقت الردة، بصدقة قومه، وثبت على الإسلام، ولم يرتد وثبت قومه معه، وكان جواداً شريفاً في قومه، وثبت قومه على الإسلام معه ولم يرتدوا. وكان معظماً في قومه وعند غيرهم، حاضر الجواب، روي أنه قال: ما دخل علي وقت صلاة، إلا وأنا مشتاق إليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه، إذا دخل عليه.. وهذا دليل على أنه من فضلاء الصحابة.
ولما كان وقت عمر دخل عليه، وكأنه رأى منه شيئاً، يعني جفاء قال: يا أمير المؤمنين، أما تعرفني؟ قال بلى والله أعرفك أكرمك الله بأحسن المعرفة، أعرفك والله، أسلمت إذ كفروا، وعرفت إذ انكروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا، فقال عدي: حسبي يا أمير المؤمنين 4: 9-10.
كما روى عنه قوله: ما أقيمت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء (سير اعلام النبلاء: 3: 164).
وتعتبر أقواله وأحاديثه مع قلة صحبته مرجعاً للفقهاء، يستدلون بها ويحتجون بما ترمي إليه، حيث استشهد به ابن قدامه في المغنى بأكثر من ستة عشر حالة، وقد سأل رسول الله فقال: يا رسول الله إنا نرسل الكلب المعلم، فيمسك علينا؟ قال: كل. قلت: وإن قتل؟ قال: كل ما لم يشركه كلب غيره. (المغنى 13: 256).