الموقف القوي والحازم الذي اتخذته حكومة المملكة تجاه تجاوزات غوغاء الإعلام المصري سيكون له بلا شك أثر جيد وفعّال على هيبة المملكة في الخارج، وبالذات في بعض البلدان العربية التي كانت تستغل سياسة المملكة التقليدية (التروّي والعقّل والحكمة والتهدئة) في الإساءة لكل ما يمت للمملكة بصلة؛ فلو تعثرت عنزة في صعيد مصر لسار مجموعة من غوغاء الصعايدة إلى سفارتنا في القاهرة وشنّعوا بنا، وشتموا وتمادوا في الإساءة إلى المملكة وإلى رموزها؛ وهذا ليس متوقفاً على مصر، وإنما في أغلب البلدان العربية، وبالذات تلك التي وقفنا معهم في أزماتهم وكوارثهم ومآسيهم وقفة الرجل الشهم الكريم، الذي يدفع دونما مِنّة أو (حساب)، منطلقاً من مفاهيم ومقولات ليس لها - للأسف - في قواميس السياسة المعاصرة أية قيمة.. قلتها، وأقولها، ويجب أن نضعها دائماً نصب أعيننا: (إذا كنا ندفع بسخاء فيجب أن نعاقب بإيلام؛ فلسنا دار رعاية اجتماعية أيها السادة).
قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - أمد الله في عمره - باستدعاء سفيرنا من القاهرة بعد هذا التمادي من قبل الغوغاء في مصر حيال سفارتنا سيؤدي حتماً إلى صناعة صورة جادة (جديدة) للمملكة عند هذه الشعوب والأهم (حكوماتها) التي تعودت أن تُسيء إلينا، وتتجنى، وفي النهاية تنتهي الإساءة باعتذار لا يسمن ولا يغني من جوع؛ أو كما قال ياسر عرفات عندما وقف مع صدام عندما غزا الكويت في خندق واحد: (كلها حبة خشم وتعود المياه إلى ما كانت عليه)، وكان توقّعه - للأسف - صحيحاً؛ غفرنا له، ودمحنا زلته، ونسينا، وعاد أبو عمار مثلما كان قبل الغزو، وكأن شيئاً لم يكن.
حتى إن أحد الإعلاميين المصريين، ظهر على شاشة (العربية) وتحدث عن إغلاق السفارة واستدعاء السفير، وقال كم كلمة إرضاء لمشاعرنا، ثم ذهب يُملي المطلوب منا لامتصاص غضب المصريين، خالطاً عباس على دباس، مُبرراً تجاوزاتهم، ومختلقاً عذراً لهؤلاء الغوغاء، فلم يكن مضمون خطابه إلا تكراراً (مؤدباً) لخطاب أخ له يعمل الآن في إحدى قنوات التحريض الإعلامية المصرية، فبدا واضحاً أن اختلاف هذا (الكاتب) في إحدى صحفنا مع أخيه ليس اختلافاً في نوعية الخطاب، وإنما في حِدّة الخطاب؛ فهو في المحصلة أراد أن يقول: (لعل له عذر وأنت تلومُ)!
مواقفنا من هؤلاء الوصوليين والانتهازيين - أيها السادة - يجب أن يكون قوياً وحازماً، تنطلق من تجاربنا الطويلة مع هؤلاء المرتزقة الانتهازيين؛ فهناك صورة نمطية تكونت لدى كثير من الإعلاميين العرب مؤداها أن السعوديين (يشترون) الأقلام أو يستأجرونها، فإذا خافوا منك دفعوا إليك، أو استأجروك، فأصبح ابتزازنا دجاجة تبيض لصاحبها ذهباً، ونحن - للأسف - من روّجنا هذا الانطباع عنا عند هؤلاء الأفاكين وشُذّاذ الآفاق.
وانتهز هذه المناسبة وهذا القرار الحازم من مليكنا المحبوب لأقول: نحن وبالأرقام الأقوى الآن إعلامياً، ووسائلنا الإعلامية المرئية هي الأولى في التأثير، فمحطة (الإم بي سي) الفضائية - مثلاً - تحتكر أكثر من 35% من عدد المشاهدين العرب للقنوات الفضائية، وبقية القنوات العربية الأخرى (مجتمعة) تتصارع على ما تبقى، فضلاً عن أن وسائلهم وقنواتهم الفضائية لا يتخطى تأثيرها حدود بلدانهم، فما الذي يجعلنا نخافهم وهم بهذا الضعف في الانتشار وبالتالي في التأثير؟
حقبة صوت العرب وأحمد سعيد ولّت ولن تعود، ولا يصلح العطار ما أفسد الثبات والتكلّس إذا لم يكن التخلف، ونحنُ - لا هُم - أسياد الإعلام العربي في هذه الحقبة بدون منازع؛ فلماذا لا تنعكس هذه الحقيقة على تعاملاتنا الإعلامية؟
إلى اللقاء.