خلال الأيام الماضية ارتفعت أصوات مصرية عاقلة كثيرة تنتقد التصرفات التي أقدم عليها البعض في مصر ممن هاجموا السفارة السعودية في القاهرة أو الذين هاجموا السعودية، حكومةً وشعباً، من خلال المنابر الإعلامية.
هذا النقد المصري الذاتي يؤكد لنا أن الضجة الإعلامية المفتعلة في مصر وكذلك التجاوزات التي حدثت بحق السفارة السعودية في القاهرة لا تعبر عن حقيقة العلاقات السعودية المصرية ولا حقيقة ما يمكن أن تكون عليه.
صحيح أن هناك أسماء مشهورة ومعروفة في الإعلام وفي بعض الأحزاب والمجموعات السياسية التي، لسببٍ ما، لا تود أن تكون العلاقات بين السعودية ومصر طيبة، ومن ثم بادرت إلى توظيف حادثة صغيرة هي حادثة الجيزاوي من أجل شحن الشارع المصري ضد السعودية.. ومعروف أن الشارع المصري لازال يغلي بفعل أحداث تخص المصريين قبل غيرهم.
هذا كله صحيح، ولكن الصحيح أيضا أن مصر ليست هي فقط تلك الأصوات التي نعتبرها نشازاً.. فهناك من عقلاء مصر من ساءه كثيراً أن يتم تأزيم العلاقات مع السعودية لأهداف شعبوية لا تخدم المصالح الحقيقية لمصر ولا المصريين. وقد عبَّر هؤلاء العقلاء عن رأيهم بكل صراحة وبأصوات عالية.. وهذه الأصوات -في تقديري- هي الأصوات الحقيقية التي تنطلق من تقدير الصالح المصري العام والمصلحة العربية المشتركة.
من المؤسف أن سياسة تهييج الجماهير لازالت أسلوباً متبعاً في بعض البلدان العربية وذلك لتحقيق غايات صغيرة في المدى القريب على الرغم مما لها من تأثيرات كارثية في المدى الطويل. وفي الظرف المصري الحالي ثمة من يعمد إلى تهييج الجماهير مستغلاً الحالة السياسية الراهنة حيث تتفجر الخلافات بين الأحزاب والجماعات السياسية حتى من داخل التيار الواحد! فالساحة أصبحت مشرعة للمزايدين من كل صنف ولون.. ولم تعد هذه المزايدات تتعلق بالشأن المصري الداخلي فقط وإنما تجاوزته إلى قضايا تتعلق بدول أخرى، ومنها المملكة العربية السعودية.
وهنا ضاعت أصوات العقل وسط التوظيف العبثي لمشاعر بسطاء الناس أو مشاعر بعض المتحمسين ممن وجدوا قضية يُفرِغون من خلالها مشاعر الغضب والإحباط وخيبة الأمل. لكن السعودية، وغير السعودية، حتى وإن تحملت مثل هذا التوظيف لبعض الوقت فهي لن تتحمله إلى ما لا نهاية عندما يؤذي مصالحها أو يمس كرامتها.
وباختصار، نحن نحيي الأصوات العاقلة المنطلقة من مصر، لكن هذه الأصوات تضيع وسط حمى الفوضى العارمة. فالعقلية التي لا ترى بأساً من توظيف الدهماء والبسطاء لكي يشتموا السعودية والسعوديين بأقذع وأقسى العبارات والأوصاف هي ذات العقلية التي وظفت آخرين لخوض «موقعة الجمل» حيث يشيع الاستئجار الرخيص لعضلات ومشاعر أناس آخرين لفعل أي شيء.. وعلى هذا النهج حدثت أيضا «موقعة السفارة» لتكرس حالة من الفوضى التي تسيء إلى الأشقاء في مصر أكثر مما تسيء إلى السعودية فقد كان بوسع السعودية أن تقوم بالمثل لو هي أرادت ذلك لكنها تترفع عن فعل شائن كهذا.
ستظل العلاقات السعودية المصرية متينة على الرغم من كل شيء.. وما نتمناه هو أن يكون الزخم الذي تحدثه الأصوات العاقلة في مصر أقوى وأكبر من تداعيات الأزمة التي لم تكن «موقعة السفارة» إلا واحدة من مظاهرها.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض