كانت انطلاقتنا صوب وادي بيش صباح يوم الخميس، وكنَّا بشوق وتوق إلى رؤية السد في وادي بيش والأعجوبة التي سمعنا عنها كثيراً في وادي لجب، انطلقنا وقد علمنا أننا سنطوي بحافلتنا ما يقرب من مائة كيلومتر، ويمكن أن أقول انطلقنا بقاعة الاحتفالات المتحركة لأن الحافلة تتحول إلى قاعة ثقافية فنية ومسرح للطرائف، وللدكتور مسعود الغامدي دور بارز في إدارة احتفالات الحافلة، أما الدكتور عبدالعزيز الثنيان فلم يكن يفارق جهاز «الحاسوب» الذي يسمونه «تاب» - والله أعلم بتوبته - فقد كان أبو تركي يغرِّد في «تويتره» في كل وقت، ينقل ما يرى ويسمع أولاً بأول، والمشاركات المتميزة لأبي محمد الدكتور إبراهيم أبو عباة كانت تتكئ على مناوشات وإثارات أبي صالح د. مسعود الذي ظل قائماً بدوره الإعلامي في إدارة مهرجانات الحافلة وكأنه يدير برنامجاً على إحدى الفضائيات - كما هي عادته - وللدكتور عبدالرحمن العليق والمهندس خالد الشثري من برامج الحافلة نصيب وافر.
أقول: مالي ولهذا الجانب من الرحلة الآن؟ وقد وعدتكم أن أتحدث عن سد وادي بيش الكبير، وعن وادي لجب العجيب؟
تقع محافظة بيش في الجزء الشمالي لمنطقة جازان على بعد 70 كيلومتراً، ويمر بها الخط الدولي (جدة، جازان، اليمن) أما واديها الكبير فهو من الأودية التي تحتل مكان الصدارة بين الأودية الشهيرة في المملكة العربية السعودية، ومن أبرز منتجات وادي بيش المانجو والتين، وتتميز المحافظة بكل ما تتميز به الأماكن الواقعة في سهل تهامة المنحصر بين البحر الأحمر ومرتفعات سلسلة جبال السروات، وتتكون من أربعة مراكز «مسلية شرقاً، والحقو غرباً، والفطيحة شمالاً شرقياً، والخلاوية والنجوع شمالاً غربياً».
وصلنا إلى مركز الفطيحة حيث استقبلنا رئيس المركز ومدير الدفاع المدني وبعض أهل المحافظة، وكان ينتظرنا طبق كبير من الفاكهة تتصدره فاكهة «المانحو» التي أصبحت معلماً من معالم الإنتاج الزراعي الناجح في جازان، أما التين «الحماط» فهو عجيب بضخامة حجمه وحلاوة طعمه، ثم انطلقنا إلى السد ومعنا رئيس المركز ومدير الدفاع المدني ومدير إدارة السد. وصلنا إلى السد العملاق الذي يتسع لـ193 مليون متر مكعب، فهو بهذا الاستيعاب أكبر سد في المملكة متفوقاً في هذا الجانب على سد وادي «بيشة» كان أحد أبواب السد مفتوحاً بنسبة ثمانية سنتميرات وكان متدفقاً، وحينما زاد المسؤول عن السد مقدار فتحه إلى حوالي ثلاثين سنتمترا ارتفع هدير الماء وتعالى في الفضاء بخاره حتى طاول مستوى السد الأعلى، فرسم أمامنا لوحة عجيبة من الماء، ووصل إلينا رذاذه على بعد. كانت نسبة الماء الموجود في السد وقت زيارتنا له أكثر من 170 مليون متر مكعب.
ثم انطلقنا إلى وادي لجب، فكانت المفاجأة التي لم نكن نتوقعها جميعاً وتمنينا لحظتها لو أن أخانا الدكتور إبراهيم أبو عباة كان معنا ليرى ما رأينا، لأنه عاد إلى الرياض لحضور حفل جائزة الجميح للتفوق العلمي وحفظ القرآن الكريم، وإن كان أخوه خالد قد رأى وسمع وفرح بما رأى وسمع، حينما أخبرنا الدليل أن اسم جانب من جوانب جبل «لجب» «شقراء» وبهذا يفرح أهل مدينة شقراء، وإنما سُمي هذا الجانب من الجبل شقراء لوجود شقرة في لونه تميزه عن لون الجبل السائد الذي يتموج بين السواد والزُّرقة حتى ليظن الناظر إليه أنه أمام جبل قد فلقه البركان نصفين، أو أن زلزالاً شديداً قد جعله فلقتين.
انطلقنا بالسيارة في وادي لجب، وهو محصور بين قسمي جبل صخري ضخم جداً، شاهق جداً، حتى إن السائر في الوادي يحتاج إلى أن يشخص ببصره إلى الأعلى ليتمكن من رؤية أعلى الجبلين، إن الوصف مهما بلغت قدرة الواصف لا يمكن أن تشعر القارئ بعظمة ذلك الوادي وجماله وروعة تكوينه، إنه لوحة طبيعية آسرة ساحرة، فألوان صخوره، وطريقة تكوينها، والأشجار النابتة بين شقوق جداره الصخري الضخم وبعض نجول الماء المنبثقة منه، وأحجار واديه الصغيرة الناعمة النقية، ونسيمه العليل المنعش، كل ذلك يجعل هذا الوادي معلماً سياحياً فريداً.
كان الشيخ إبراهيم الذروي شيخ شمل الحسيني والنجوع قد جهَّز لنا غداء في هذا الوادي على الطريقة الجازانية التي تفتح بوابة إكرام الضيف وإتحافه، وإدخال السرور على قلبه على مصراعيها.
كان معنا عدد من شيوخ القبائل، ومدير تعليم صبيا الأستاذ إبراهيم بن محمد الحازمي، وكلهم كانوا حِرَاصاً على استضافتنا مرة أخرى. رأينا البلدية تقيم بعض الحواجز الإسمنتية لحماية بطن الوادي من تساقط الصخور، فتساءلنا جميعاً: لماذا هذا التشويه؟ ألا يمكن أن تقام حواجز من الصخور حتى لا تشوّه هذه اللوحة العجيبة.
إشارة: قصيدة جازانَ مَلْحَمَةٌ تحتاج إلى قارئ يدرك أَبْعاد جمالها.