مثلما أن حجب الحقيقة وإن كان بدافع الحماية إلا أنه يبقى خيانة، وعدم ثقة، وانتهاكاً لحرية الاختيار لدى الآخر، لأنك قررت عنه، وحددت مدى أهليته دون أن تمنحه ولو حق المحاولة، وسلبت حقه عندما تصرفت من منطلق أنك سليل الحكمة والرأي السديد، وهو الغبي الأرعن الذي يحتاج طوقاً وحبلاً يُجر به كي يصل سالمًا إلى بر الأمان! كذلك الموعظة تحت الإجبار والتهديد، يعتقد البعض أنها ناجعة في حماية الأفراد من الخطيئة، في حين لا يعلمون أنهم يخلقون ذرائع شتى للعناد، وقفز الحواجز، متى غفلت ونامت عين الرقيب.
ولأنك لن تعرف خطر النار قبل أن تفهمها، وتشعر بلسعها، سواء أحرقتك، أو للتجربة غير المؤذية، كذلك لن يكتفي الآخرين بسيل النصائح والموعظة وإن كانت حسنة، دون أن تمنحهم حق الاختيار وتحمل نتيجته، فعندما نهى الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام عن الشجرة، لم يضع حولها الأسوار والحواجز، أو أبادها واقتلعها من جذورها وهو القادر على كل شيء، إنما اكتفى بالنهي ومنح آدم حرية القرار.
ولا شك أن المحرم والممنوع له وهج لا تخطئه رغبات الإنسان، فكيف نجمع بين المسؤولية والحماية، وحرية الاختيار، تلك المنطقة الحرجة التي يصعب فيها التقييم، وتختلط فيها الجاذبية.
في قراءة لكولون ولسون للروائيين دي ساد ووليم بوروز قال عنهما: “إنها تشبه شخصًا نشأ في جو ديني صارم، وفجأة قرر أن ينغمس في الخطيئة، ويتذوق كل لذة ممنوعة ممكنة، وبعد أيام من هذا الانغماس، يكتشف أنه لم يبق شيئاً يفعله، لقد لمس القاع، وبدون الحس الديني القديم، فإن الخطيئة تصبح بلا معنى، فحين تتخلى عن كل قيمة، فإن المتعة تتوقف أن تكون متعة”، كأن ولسون هنا يخبرنا عن خط سير الإنسان مع الخطيئة، وكيف يكون المنع الصارم المخيف، والممزوج أحياناً بالأكاذيب والتهويل، إيذانًا ببدء الهبوط بسرعة الضوء نحو قاع صلب، والاصطدام الذي يخلف وراءه ألف شظية، لها من الارتدادات ما يخلق مجرمين وهلافيت ومنتحرين، كان الكبت هو العامل الأقوى لدفع الإنسان نحو قمة التعفف، حد احتقار الذات عند الخطأ، تلك القمة التي لم يخترها بنفسه، إنما فرضت عليه بدافع الحب والطاعة، والخوف غالبًا من الآخرين.
وكرأي شخصي لا أحد ملزم به، أرى أن حرية الاختيار هي السبيل للحماية، ما دام الضرر محصوراً في الفاعل، وإن أخطأ فإن عار الخطيئة يكفيه تعذيبًا، دون أن نرفع للدهشة حاجباً، كأنناً ملائكة مطهرون، وله كامل الحرية للعودة مجددًا وإصلاح وتدارك ما يمكن إصلاحه، هنا يمكن أن يتعلم تحمل مسؤولية نفسه وأفعاله، لأن نوازع الخير والشر باقية داخل الإنسان ما بقي حيًا، ولن يفصل بينها إلا قناعة مبنية على اختيار حر.
amal.f33@hotmail.com