ثمة فرق شاسع ما بين الوردة والشوكة.. بين الليل والنهار.. بين النسيم العليل والسموم الحارق.. بين قطرة المطر النقية، وقطرة الدم الملوثة بالطين..ما بين البداية والنهاية..
كيف ينشأ الفرق بين إنسان وإنسان، هناك أشياء لا حصر تشير إلى هذا الاختلاف لعل أبرزها وأهمها قاعدة اسمها الانضباط أو الالتزام الذي يتأتى بفضل الإحساس بالمسؤولية.
كيف تأتي هذه المحصلة وكيف ترسم خطوطها الجميلة الأولى في نفس الإنسان.. تبدأ من التربية.. من تنشئة الأطفال في البداية على القيم والمبادئ الإنسانية الجميلة ومتابعتهم لتطبيقها.. كذلك بدء الأب والأم بنفسه ليكون قدوة لهذا الطفل أو الطفلة، فالطفل يكتسب السلوك عن طريقين، التوجيه والقدوة.. وهو يأخذ من القدوة أضعاف ما يكتسبه بالتوجيه، لأن الطفل ينشأ محباً للتقليد، يبدأ مقلداً الشخص الأكبر حوله الذي يحتك به يومياً..
لطالما سمعت من أمهات أوآباء كلمة كانوا يقولونها حين يتعثر الطفل أو يتلقى ضربة أو يمر بحدث مؤلم أياً كان لطالما سمعت، (هه.. غداً يكبر وينسى!)، وهذه العبارة تحمل الكثير من الجهل فالطفل لا ينسى ما يحدث له في طفولته.. بل تبقى بصمته في أعماقه.. يكبر وتلك التجربة في داخله، يكبر شيئاً فشيئاً ولا يتخلص منها بسهولة.. قد تأتيه لحظة وعي ما أثناء حياته توقظه وتشعره بأن ثمة خللا ما يحمله في داخله هو السبب الحقيقي لعدم نجاحه في دراسته أو علاقاته أوحياته بشكل عام..
كم من الأحداث التي تعرض لها أطفال صغار، نشأوا عليها، لم يحاول أحد مناقشتها أو الحديث معهم حولها وربما حدثت دون أن يعلم أحد عنها وبقيت سراً في أعماقهم الصغيرة كبرت معهم وكبر ألمها أو أثرها لتصبح فيما بعد علامة فارقة في سلوكهم.. ولكم أن تتخيلوا مثلاً أن أباً لأطفال كبروا ثم أصبحوا شباباً لكنه لا يزال وقد تجاوز الأربعين من عمره يخاف الظلام ويخشى البقاء في المنزل وحده، لماذا أصبح بهذه السمة ولماذا لا يتساوى الجميع بهذه الخصلة؟! السبب بكل بساطة أنه سبق له التعرض لتجربة ما انغرس أثرها كالجرح في أعماقه بحيث أثرت على سلوكه ومسار حياته فيما بعد..
هذه التربية هي التي خلقت لنا أنصاف رجال غير قادرين على الحل و الربط أو اتخاذ أبسط القرارات، هذا الخلل في التربية هو الذي خلق لنا لصوصا ومجرمين وقطاع طرق وخونة وآخرين أشرارا أو عدوانيين، وهذه التربية أيضاً هي التي خلقت لنا متفوقين وناجحين في مجال حياتهم منهم المهندسون والفنانون والأطباء ورجال الأعمال.. لماذا ؟ هؤلاء الناجحون هم الذين تم تعويدهم على الانضباط وبالتالي عرفوا المسؤولية عن ذواتهم أولاً وعمن حولهم وعن كل ما يتعاملون معه سواء كان الأسرة أو زملاء المهنة أو زملاء العمل.. هذا الإحساس ذاته أيضاً الذي يدفعهم إلى الخروج من التفكير في نطاق ذواتهم إلى فضاء أوسع وأبعد، ليكونوا أفراداً صالحين قادرين على فعل إيجابي تجاه المجتمع الذي هم أحد أفراده.