لا أحد يعرف لِمَ توالت هذه الأحداث بسرعة رهيبة، إلى درجة أن ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، منذ إيقاف المحامي المصري الجيزاوي إلى قرار الرياض بإغلاق السفارة السعودية في مصر، وكذلك قنصليتيها، واستدعاء السفير السعودي في مصر للتشاور، وهو أمر مبرّر جداً، بسبب الاحتجاجات غير المبرَّرة التي عطّلت عمل السفارة والقنصليات عن أداء مهامها الدبلوماسية.
لا أحد منّا لم يتمن الخير لمصر الثورة، ولا أعتقد أن مثقفاً عربياً لا يرى في مصر دولة عربية ذات ثقل سياسي وإقليمي مهم في المنطقة، ولعل ذلك يجعل أمر تحول هذه البلاد إلى بلد ديمقراطي حر، أمر مؤثّر في المنطقة، فالجميع انتظر دستوراً وعدالة، وانتخابات نزيهة، وأوضاعاً قانونية وأمنية جيدة، لكن لم ينتظر أحد أن تبقى مصر في دوامة الفوضى التي لا تنتهي.
لعل أبسط أبجديات مفاهيم المواطن البسيط في أي بلد، هو الحصانة الدبلوماسية التي تحظى بها بعثات الدول المقيمة على أراضيها، وبالتالي يجب حماية هذه البعثات، وإلا تحوّل العالم إلى فوضى لا مثيل لها، فكما أقام شباب الثورة المصريين صدورهم لحماية المتحف المصري من النهب وأعمال الفوضى، تمنيت أن تنذر هذه الصدور نفسها لحماية هذه السفارات، فضررهما معاً كبير على الاقتصاد المصري، لأن الأولى ستضر بالسياحة حينما تفقد البلد ثروتها من إيرادات قطع الآثار وبقايا التاريخ، والثانية ستُفقد الدولة، وبالتالي الشعب، مصالحها الاقتصادية والسياسية المشتركة مع الدول الأخرى.
يبقى السؤال محيراً، لماذا حدث كل هذا الانفعال والتشنّج ضد السعودية، بسبب توقيف مواطن مصري ثبت باعترافه أن بحوزته كمية مخدرات، رغم أن دول العالم كلها تحرّم تهريب المخدرات، من بينها السعودية ومصر، وتختلف العقوبات على ذلك الجرم من بلد لآخر؟ ولماذا لم يحدث مثل هذا التشنّج لما حدث بعد ذلك بأيام فقط، من إحالة لبنان 19 مصرياً للقضاء العسكري بتهم محاولة قتل عسكريين أثناء تظاهرهم أمام السفارة في لبنان؟
ولعل الأشد غرابة، أن ينساق مثقفون مصريون، كنا نرى فيهم نموذج الاستقلال والنزاهة عن الألفاظ والاتهامات، وكذلك أن ينساق مثقفون سعوديون للرد والردح أيضاً، في مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنما أكثرهم ثقافة، هو أكثرهم سخطاً وشتماً، بينما انسحب العقلاء من الطرفين إلى الظل، بحثاً عن الحقيقة الكاملة، بل التدخل في محاولة تهدئة الطرفين، خاصة أن العلاقات السعودية المصرية علاقات عميقة وجذرية، لا يمكن المساس بها، لمجرد قضية مواطن مصري ثبتت جنايته، في المقابل لم تحدث ضجة ولا ضوضاء واتهامات حول سجناء سعوديين في مصر وغيرها من دول العالم، ممن ارتكبوا جناية ما، تعاملت معها السعودية وإعلامها باحترام، راعت من خلاله قوانين هذه الدول.
كل ما نتمناه هو أن يتوقف الإعلام المصري عن هذه الحملة غير المبرّرة، وأن يترك أمر متابعة قضية هذا المواطن المصري، للقنوات الرسمية التي تتابع ما يستجد فيها، كمثل أي مواطن آخر، وأن تثق بالخطوات القانونية والقضائية التي تسير بشكل طبيعي، وألا تصب الزيت على النار، وتضخّم هذه القضية العابرة، أو المتكررة كما وصفها السفير المصري في السعودية وحذَّر منها في قضايا مصريين آخرين متهمين بتهريب المخدرات عبر المنافذ الحدودية مع مصر، وعلينا ألا نجعل من ذلك حجر عثرة في وجه علاقات دبلوماسية استثنائية بين البلدين.