ما حدث أمام السفارة في القاهرة، وكذلك أمام القنصليات السعودية خارج القاهرة، لا يمكن تبريره إطلاقاً؛ فهو عمل همجي، غوغائي؛ يدل على أن ثورة مصر ثورة بلا بوصلة ولا رؤية؛ تغذيها الأحقاد، ويتحكّم فيها السُّوقَة والسَّفِلة من الناس، فكانت الشعارات والهتافات وكل الممارسات تنم عن أنها ثورة رعاع لا تكترث بمصر ولا مصلحة مصر ولا علاقات مصر مع الآخرين، وبالذات المملكة.
قضية إغلاق السفارة أشعلها في البدء القبض على مهرّب مخدرات في مطار جدة، يقولون إنه (حقوقي) يعمل في المحاماة، جاء إلى المملكة ومعه كمية من الحبوب المخدّرة بغرض تهريبها، فقبض عليه، وتمت إحالته للتحقيق في انتظار محاكمته حسب الأنظمة والقوانين المرعية في المملكة؛ وضع نقطة في نهاية السطر.
غير أن الإعلام المصري، كعادته، اختلق قضية أخرى لا علاقة لها بالقضية التي قبض على هذا المتهم بسببها، فادّعى أن القبض على هذا المجرم كان لأهداف سياسية، ثم حدّد التهمة التي اعتبرها (ملفّقة)، وقرَّر العقاب، وابتدأت شلة حسب الله في التصعيد والتحريض والجعجعة، فاندفعت الجموع إلى السفارة، وبدأ مسلسل الإهانات والشتم والسب والتجني غير المعقول على مرأى ومسمع من أجهزة الأمن، التي كانت تتعامل مع هؤلاء السوقة بنوع من التساهل والتراخي، ما مكّنهم من الوصول إلى سفارة المملكة وممثلياتها، واقتحام بعضها والكتابة على جدرانها ألفاظاً وعبارات ورسومات بذيئة.
جماعة الإخوان المسلمين هي القوة الأولى في مجلس الشعب حسب ما أفرزته صناديق الانتخابات، فهي التي تمتلك الآن القرار التشريعي في البرلمان، وتسعى لأن يتربع أحد أعضائها على سدة الرئاسة، لذلك فإن ما يصدر عنها من بيانات يُؤشر إلى حد بعيد إلى ما سوف يكون عليه توجه مصر ما بعد الثورة، ومن هنا تأتي أهمية بيان الإخوان وموقفهم الذي اتخذوه تجاه حدث إغلاق السفارة وسحب السفير. البيان في لغته، وفي إيماءاته، وفيما بين سطوره، وفي توجهه، وفي طريقة تبريره للإساءات والتظاهرات وأعمال الشغب، كان يتفق روحاً مع الأحداث، وربما يختلف معهم في (درجة) الحِدّة؛ ولا أعتقد أن من أعد البيان لم يتعمد أن تكون لغته وإيماءاته على هذا النحو؛ فالابتزاز، ومقايضة المواقف، والقفز على الواقع، هي من ثوابت هذه الفئة طوال تاريخها.
جاء في البيان: (الجماهير التي تظاهرت أمام السفارة السعودية خلال الأيام الماضية إنما كانت تعبِّر عن رغبتها في الحفاظ على كرامة المواطنين في الدول العربية، وتعبيرًا عن عدم قبولها أي استهانة بكرامة المصريين في الخارج، خاصة بعد الثورة) .. إذن فالمظاهرات - حسب البيان - والإساءات، والشتم والسب، كانت مجرد (تعبير) لرغبة (محقة) تهدف إلى الحفاظ على كرامة المصريين ليس إلا!!.. والسؤال: هل القبض على مهرّب هو مساس بكرامة المواطن المصري، أم أنه استهتار بقوانين دولة أخرى من قِبل مجرم مصري حقير، فما علاقة القبض على (مهرّب) بالاستهانة بكرامة المصريين في الدول العربية؛ وهل مصر لا يمثّلها في الخارج إلا اللصوص والمهرّبين ومستغلو الشعائر الدينية لتمرير سمومهم بغرض الإثراء غير المشروع؟
مصر هي الآن أحوج ما تكون لموقف داعم ومساند من دول الخليج، وبالذات المملكة؛ خاصة وهي الآن على شفير الإفلاس، وكلما تباعدت علاقات مصر بالمملكة ودول الخليج، تعقدت مشاكل مصر الاقتصادية وبالتالي السياسية، غير أن الإخوان لا علاقة لهم بالواقع، قدر علاقتهم بتصدير الشعارات والعنتريات والتعالي على الواقع الذي يسعى بخطى حثيثة نحو الكارثة.
لقد أثبت الإخوان في هذا البيان (التصعيدي) والمستفز أنهم متخلفون في التعاطي مع الدبلوماسية الخارجية؛ إضافة إلى أن قدرتهم على (إدارة الأزمات)، وإخماد الحرائق، هي في غاية التدني؛ فخبرتهم المتراكمة كانت على ما يبدو في العمل الخيري والإغاثي وكذلك في إشعال الثورات وإمدادها بالأموال والسلاح، بينما أن العمل السياسي والاقتصادي وكذلك الدبلوماسي وإدارة الدول يحتاج إلى مهارات وخبرات أخرى؛ فأي مستقبل ينتظر مصر مع هذه الجماعة بالله عليكم؟
إلى اللقاء.