والظلم من شيم النفوس وهو من الشر الذي يعتبر غريزة إنسانية تحجمه الأديان والأخلاق ولقد عبر عن ذلك بصدق، مالئ الدنيا وشاغل الناس أبو الطيب المتنبي عندما قال:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفـة فلعــلة لا يظلــم
وهو فساد يمارسه البشر بعضهم ضد بعض لتخريب الحياة الآمنة المطمئنة التي يفترض أن يعيشوها على وجه هذه البسيطة ولعل الأنانية هي المصدر الرئيس للظلم، والظلم درجات فهو قد يكون ظلماً داخل الأسرة مثل تسلط الرجل على المرأة وسلب حقوقها وإهدار كرامتها، مثل أن يرفض الزوج طلاق زوجته فيعلقها وكأنها أصبحت من ممتلكاته!.. أو ظلم المجتمع لأفراده عندما يمنعهم حقوقهم، وقد تمارسه الدول ضد الشعوب، كما يفعل النظام السوري الآن، أو الكيان الإسرائيلي من خلال احتلاله وقمعه وظلمه للفلسطينين.
ولأن هناك ظالماً ومظلوماً في المجتمع انتشرت المحاكم وأقسام الشرطة وإدارات الحقوق المدنية.. ولأن هناك من يتلذذون بأكل حقوق الآخرين ظهرت تلك الأجهزة التي تفصل في منازعات لا تنتهي! سعار أصاب الناس هذه الأيام استسهلوا معه أن يأخذ الشخص ما بيد أو جيوب الآخر بأيّ طريقة، فتنوعت الجرائم من سطو مسلح وغيره بما لم نسمع عنه من قبل! بل حتى بسرقة الإنتاج الفكري وأصبح الإنكار والمماطلة هي أسلوب التعامل ولم تعد حتى العقود ترجع حقاً ضاع وإن كان وراءه أكثر من مطالب!!
في هذا الزمن الأغبر كما عشنا شيئاً من غباره قبل أيام، ربما قليلون من الناس يبادرون لإعطاء الآخرين حقوقهم، حيث قل الوفاء والصدق في التعامل.. يأتي الشخص ثم يقترض منك مقدماً لك أحلى الكلام مطلقاً أروع وصفات المديح، وعندما يأتي يوم السداد يبدأ المراوغة والمحاورة ويقدم عذراً وراء آخر.. وإن بعض الشركاء يبغي بعضهم على بعض، كثير من الشركاء يعملون مع بعضهم البعض بناء على الثقة وعند اقتسام الغلة يكشر أحدهم أنيابه في وجه الآخر وينكر جهود شريكه ويبخسه حقه ويرى أنه هو الذي عمل أكثر وهو سبب النجاح لهذا فشلت كثير من الشراكات بسبب بغي طرف على آخر.
من يراقب الناس يجدهم فئتين ظالم ومظلوم.. ظالم أكول جحود لحقوق الآخرين وهي على قلبه أحلى من العسل، وآخر ليس له إلا الدعاء على من ظلمه!! ولقد سمعت أحد الأصدقاء يدعو ولكنه يدعو على نفسه وليس لنفسه فهو يقول: اللهم أجعلني ظالماً ولا تجعلني مظلوماً فبادرته قائلاً: أنت تدعو كريماً عظيماً فهل دعوته بأن تكون لا ظالماً ولا مظلوماً! لماذا تدعو على نفسك بالنكد والهم والغم ولديك الفرصة بأن تدعو ويستجاب لك بما هو أفضل! ما هذا الطموح الذي يسعى له صاحبي!! صحيح أنه يستشعر عظمة وهول الظلم فخاف أن يقع فيه، ولكن ليس الحل أن يجعل نفسه في حفرة المظلومين المسلوبين الحقوق! وذكرته بقول نبينا الكريم صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ”.
alhoshanei@hotmail.com