بقلم - محمد بن عبدالعزيز الراشد:
الشاعر الكبير ناصر القحطاني أحد أبرز وأميز الأسماء الرائعة في حضورها التراكمي وإنتاجها الشعري الذي حاز إعجاب وتفاعل رفاع الذوق في محافل الشعر ومنابره المشرفة، وظّف ذكاءه وفعّل دوره كشاعر -حقيقي- من خلال نصه الشعري الغني من (منظور نقدي)، وكانت له نظرة استشرافية وحس إعلامي عالٍ ميّزه عن الكثير من مجايليه وأقرانه الشعراء، بحيث لامس هموم أمته الإسلامية حتى أُطلق عليه -شاعر الأندلس- وله نظرة ثاقبة شمولية من زوايا تراها أعين موهبته الأصيلة ويتناولها ببصمة لا يشبهها إلا صهيل -أبو محمد- في ديوانه المسموع الجديد الذي لقي قبولاً وصدًى منقطع النظير، وهو حق مستحق لشاعر قدّم الكثير والكثير للشعر الجزل الذي وهبه بالمقابل في القلوب ما يستحق من إنصاف وكاريزما خاصة بمن يليق بها وتليق به، ولا بد من الإشارة إلى جزئية هامة، ففي الوقت الذي كان لكثير من الشعراء في وسائل التواصل الاجتماعي هفوات بقصد أو بدون قصد، حافظ شاعرنا على صورة الشاعر السعودي الحقيقية بمثالية تحسب له وللساحة الشعبية السعودية، وعند الحديث عن ديوانه المسموع فإننا لا نود أن نحرق الكثير من المفاجآت الرائعة التي حوتها مجمل قصائد الديوان إيثاراً منّا لقراء «مدارات شعبية» الذين سيكون لهم متعة الاستماع لإصدار الشاعر القيّم، وسنشير فقط إلى بعض القصائد التي هي في نفس قيمة القصائد الأخرى الأدبية لشاعرنا المتميز في ديوانه المسموع الجديد، ففي جانب مضيء من الشعر الشعبي يؤكد الشاعر غيرته التي تمليها عليه عقيدته الإسلامية على نبي ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وينبري الشاعر للمسيئين محفزاً الهمم للرد عليهم:
لا والله إلاّ غدينا وجبةٍ دسمه
ما دامها وصلت الدعوى لأبو القاسم
ويسترسل بقوله:
يكرم عن العالمين بوجهه ورسمه
تخسى الرسومات واللعنه على الراسم
وفي مناجاة روحية لخالقه سبحانه وتعالى يلمس المستمع حس الشاعر الإيماني في تضرّعه المؤثر لله جلّت قدرته:
أعوذ بك ممن طردته وجاني
وأشغلني من الفاتحة للتحيّات
ومنها قوله:
أنا بوجهك لا اندفنت تحماني
وألقى حبيبي بالجنان الفسيحات
كذلك وظّف الشاعر دور الشعر الاجتماعي بشفافية الشاعر الذي يؤثر ويتأثر كصوت محايد ومنصف برقي متناه لتفعيل دور الشعر والشاعر الصادق مع نفسه ومع الآخرين:
وين أنت يا قضّاي حاجات الأجواد
يا آخي لنا حاجه ولا أحدٍ قضاها
إلى أن قال:
جادت شيمنا لكن الحظ ما جاد
ما أعظم من أنفسنا ولا أصغر مناها
ولأن الرصد أول خطوات العلاج فإن الشاعر يكشف عن المسكوت عنه بين الأقارب وهو داء بات عصياً على التحفظ:
يا ليت ما ريّة أهل الطيب مثبوتة
كان الردي ما على أحدٍ من مقابلته
وهنا يضع يده على الداء في سياق النص بكل وضوح:
بعض الأقارب قنابل شر موقوته
والعرق ما أشدّ من تأثير قنبلته
وفي نص آخر يجسّد جزئية من سلبية منتشرة كداء بغيض حرّمه الله ورسوله، ومع هذا تفشّى بين ضعاف النفوس وقليلي الإيمان، وقد أشار الشاعر إلى الحل المثالي الإسلامي القويم لهذه المعضلة:
يا معشر الجن الله يبدّل الحال
واللي بلانا ليتكم تبتلونه
إلى أن قال:
ما قلت غمّه قلت غمّه وتنزال
ومن ذاق عسر الوقت يبشر بهونه
وفي تدويل شاعرنا لدور الشاعر المنبري نقتبس من قصيدته في البحرين التي مثّل بها وطنه الغالي، وفي دور مشرّف لاحتواء فتنة في الدولة الشقيقة الجارة ما كان لها لتكون بين أبناء وطن واحد جار وصديق تربطنا به كل وشائج القربى والدين واللغة والدم:
سلامي على بحرينكم يا اهل البحرين
على شوفة الأحباب ما فيه تأخيره
ومن القصيدة قوله:
ونبقى عليها دام حنّا من الحيين
ما دام الدول ما بين جفره ودحديره
إلى أن قال:
وعسى كل بيتٍ فيه نلقى عمر وحسين
والأيام تجمعكم على الخير والخيره
وفي ملامسة لجوانب حياة الناس في ديوان الشاعر يوظّف التصوير الزماني ووقعه عليهم بطريقته الخاصة:
يا مرحبا يا يوم خمسه وعشرين
والله ما رحبت بك مثل هاليوم!
وكصاحب تجربة متبلورة تماماً في الحياة، والشعر لا يغيب عنه أن -الصمت حكمة- لهذا هو يهدي هذه الحكمة لكل من يعتبر:
لا تكشف أوراقك.. على كل الأجناس
إلا على اللِّي لاكشفها يسرّك
وفي حديثه عن المال جاء حثّه على الدور الديني والإنساني الذي تحتمه الشهامة على من أفاء الله عليه بهذا المال، وهو المفترض كعتق الرقاب، وبناء المساجد، وتسديد دين المديونين، وغير ذلك مما أشار إليه الشاعر في قصيدته، التي منها قوله:
ننقذ بها اللِّي غثرب الوقت ماهم
ونزرع بها بسمات من يلتقينا
أما شعر الغزل العذب الذي تميّز به شاعرنا أسوة بتميزه وتمكنه من أغراض الشعر الأخرى كشاعر كبير، فقد يكون قد تعمد الإقلال من عدد قصائده في الديوان، وربما أن في ذلك تشويقاً لجمهوره لانتظار إصدار لاحق يحمل مفاجآت عذبة لهم في هذا اللون من الشعر الذي يحظى بجماهيرية طاغية، ومن نص عاطفي مؤثر في الديوان تتجلى تداعيات هي مزيج من الألم والذكرى والوفاء:
وأعلمّك من هي مسمّيته عليه
وأعلّمك بأحلامه المتواليه
واسترسل بقوله:
أقفت وخلّت ثوب الأحزان أرتديه
من بعدها الريضان.. رمضاء صاليه
ليختتم مشهد القصة المؤثرة في تفاصيل وجدان كل محب صادق:
يوم القدر ميّل عليّْ ما أقدر عليه
ودّعتها محيي العظام الباليه
ومن بحر الهجيني الذي طالما رددت عليه الأجيال من الناس ما يجيش في صدورهم يحضر شاعرنا بألق في بيت رائع ليتمثل به ويستعذبه كل من يدرك أسرار جمال الشعر والحب على مدى الأيام والسنين:
جايك لو إن الجموع تصيح
مستعذب الموت ومغامر