سوف يبت القضاء في حادثة المحامي المصري الجيزاوي ولن أستبق الأحداث.. ولكن على هامش هذه القضية وما أثارته من زوابع في بعض وسائل الإعلام المصرية يأتي موضوعان مهمان يؤثران في الفرد العربي وفي الشعوب العربية من منظور علاقة هذه الشعوب مع بعضها البعض.
الموضوع الأول هو الرياضة، وخصوصاً كرة القدم. فمن حيث المبدأ، يُفترض أن اللقاءات الرياضية بين الأندية والفرق والمنتخبات العربية هي مناسبات للتواصل والتعارف وتعزيز العلاقات بين الشعوب العربية. لكن من الناحية الفعلية أصبحت مباريات كرة القدم بين المنتخبات العربية عامل هدم وتدمير لهذه العلاقات الشعبية وخلق الضغائن والأحقاد بين الشعوب العربية. وأبرز مثال على ذلك ما حدث بين الجزائر ومصر أثناء وبعد المباراتين الشهيرتين بين منتخبي البلدين في تصفيات كأس العالم 2010.. وكذلك بعض المباريات بين منتخبات دول مجلس التعاون في إطار كأس الخليج.
والموضوع الثاني هو انفتاح الشعوب العربية على بعضها البعض من خلال وجود عمالة عربية وافدة من دولةٍ عربية إلى دولةٍ عربيةٍ أخرى، وكذلك حركة السياح العرب.. ففي السابق عندما كانت الشعوب العربية أقل انفتاحاً كان هناك توق إلى الوحدة العربية بين الشعوب بشكل اقرب إلى الرومانسية غير الواقعية.. ولكن بعد أن احتكت هذه الشعوب ببعضها وتداخلت مع بعضها البعض طفت إلى السطح جوانب سلبية وصرنا نسمع تعميمات تركز على صفات متوهَّمة «ستريو تايب» عن شعبٍ ما، وهي لا تعدو أن تكون انطباعات سطحية، لكنها أوجدت في أحايين كثيرة نفوراً بين الشعوب.
وفي منطقتنا الخليجية أصبح موضوع العمالة الوافدة، بما في ذلك العربية، من المواضيع التي تسمم العلاقات بدلاً من تعزيزها. فمن المعروف أن العلاقة بين العامل ورب العمل في أي مجتمع تتعرض في بعض الأحيان للتوتر لأسباب تتعلق ببيئة العمل وبشروطه حتى عندما يكون العامل ورب العمل من نفس الجنسية ويعملان في بلدهما نفسها.. وهذه العلاقة تنظمها قوانين العمل، ومع ذلك كثيراً ما يسودها الاضطراب، فتدخل نقابات العمال مع أرباب العمل في نزاعات طويلة. ولكن عندما يكون العامل خارج بلاده، ويكون رب العمل من جنسية مختلفة ـ كما هي الحال في منطقتنا الخليجية ـ فإن تشنج العلاقة بين العامل ورب العمل يتم تفسيره على أساس مختلف وليس كقضية عمالية بحتة.
هذه الخلافات العمالية المعتادة والتي تحدث في كل بلد من بلدان العالم تتناولها الصحافة العربية، وخصوصاً المصرية، في سياق موضوع «الكفيل» فتتم تعبئة الجماهير ضد دول الخليج ويتبارى الإعلاميون في الحديث عن استغلال العمالة المصرية، مثلاً، أو غير المصرية مع العلم أن الدول العربية ذات الكثافة العمالية تطالب دول الخليج، وباستمرار، بزيادة حصتها في سوق العمل الخليجي!!
من المؤسف أن موضوع المحامي المصري الجيزاوي تحول من قضية شخص واحد إلى قضية تتعلق بـ»العمالة المصرية في السعودية».. هذه العمالة التي يتم تصوير أوضاعها من خلال الطرح الإعلامي في بعض وسائل الإعلام المصرية بشكل سلبي للغاية.. وهذا مضرٌ للطرفين لأن رب العمل الخليجي، بدوره، سينفر من توظيف هذه العمالة ويستبدلها بغيرها إذا اعتقد أن هناك ابتزازاً له من خلال مزايدة إعلامية غير عادلة.
ندعو الله أن يحمي شعوبنا العربية في كل مكان.. يحميها أولاً من جور الإعلام وشططه. فالشعوب العربية عاطفية.. ويكفي أن تلتهب الجماهير في ملعب لكرة القدم أو أن ينفعل كاتب أو مذيع بسبب حادثةٍ ما لكي تسري العدوى بين الناس.. وهذا ما فعلته مباراة الجزائر ومصر وما تفعله الآن حكاية الجيزاوي.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض