حينما نتَّجه بقلوبنا وعقولنا إلى مكانٍ ما أو شخصٍ ما أو موقفٍ ما، فإننا نفتح مشاعرنا على مصاريعها أمام ذلك الذي نتّجه إليه، ولعل منطقة (جازان) التي يحلو لي أن أسميها (قصيدة جازان) قد حظيت منا بهذا الشعو المتميِّز، كانت الدَّعوة موجهة إلى عددٍ من رجال العلم والأعمال والإعلام من المكتب التعاوني بقرى الحسيني والنُّجوع لتعريفهم ببعض جوانب التطوُّر (الجازاني) في السنوات الأخيرة، بعد أن اتجه إليها الاهتمام بصفتها منطقة متميِّزة اجتماعياً وثقافياً وحدودياً في بلاد فسيحةٍ مترامية الأطراف، وما أجملها من دعوة أَلْقَتْ بنا - في غفلةٍ من مشاغلنا - بين أحضان القصيدة الجازانية البديعة. انطلقنا من الرياض عصراً في رُفقةِ مباركة استطاعت أن تُعطي الرُّفقة حقَّها حتى تحقَّق بها ولها المثل القائل (ابدأ بالرفيق قبل الطريق)، إنهم: د. عبدالعزيز الثنيَّان، ود. عبدالرحمن العلّيق، والدكتور إبراهيم أبو عباة، والدكتور مسعود الغامدي والأستاذ خالد بن ناصر الشثري، والدكتور أحمد باهمَّام، والأستاذ مساعد الشّدادي، والأستاذ خالد أبو عباة، والأستاذ محمد باهمَّام، وقد وجدنا في الطائرة معالي وزير النقل يرأس وَفْداً من الوزارة متجهين إلى جازان لمتابعة بعض مشروعات الوزارة هناك، وفي مطار جازان لقينا الاستقبال اللائق بأهلها الكرام ترحيباً وابتهاجاً، وابتساماً تحقَّق به قول الشاعر العربي:
أُضاحك ضيفي قبل إنزالِ رَحْلِه
ويُخصب عندي والمَحِلُّ جديبُ
كان الفُلُّ برائحته الزّكيَّة في مقدِّمة المستقبلين، بل كان أسبقهم إلينا، وأسرعهم إقبالاً علينا، وكأنه أراد أن يهيئ نفوسنا لما لقينا بعده من شذا الكرم والجود الذي استقبلنا به أهل جازان.
خرجنا من برودة تكييف الطائرة إلى دِفء الجو التّهامي الذي يرطِّبه البحر بنفحاتٍ من شوقه وحنينه، ونفثاتٍ من رطوبته الخفيفة نظرنا إلى جدول الرِّحلة فوجدناه حافلاً بالزيارات واللقاءات فأفرحنا بما حفل به بالرغم من شعورنا بقصر أوقات راحة الجسم ولسان حال أشواقنا يقول: في هذه الأوقات الاستثنائية، لا بأس بأن يضحّي الإنسان بشيء من وقت راحة جسمه في سبيل راحة قلبه، وهل راحة القلب في (جازان) إلا في تلك اللقاءات والزيارات.
في صبيحة يوم الأربعاء كان منزل رجل العلم والأدب الشيخ العبَّاس بن أحمد عبدالفتاح الحازمي ينتظرنا للإفطار، وياله من إفطار تحسن إعداده (جازان)، مائدة عامرة بأطايب الطعام المنزليِّ ومائدة أخرى ألذُّ طمعاً وأشهى مذاقاً؛ إنها مائدة الأدب عملاً وقولاً، وأريحيَّة النفوس التي ترحِّب بالضَّيْف ترحيبَ مَنْ يرى ضيافته مَغْنماً حتى ينطبق عليها قول الشاعر:
تراه إذا ما جئته متهلِّلاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وبعد الإفطار انطلقنا إلى مقطع مهمّ من القصيدة الجازانية، إنه مقطع جبل (فَيفا) وما أدراكم ما جَبَلُ فيفا؟ هو الذي أقول فيه:
جبل يُعانقه السَّحاب كأنما
خُلِقَ السَّحابُ له أخاً وصديقا
هنالك ترى لوحةً فنّية ذات إيقاع بديع من لوحات قصيدة جازان
ما جبلُ فيفا، وما قِصّة عناقه للسحاب، وما علاقته بجازان؟؟ في المقالة القادمة الجواب بإذن الله تعالى.