عنواني هو مقالي؛ فقد أصبحنا نفتقد كثيراً تلك الثقافة في سوق العمل، وذلك لأننا لم نسع لزرعها لدى المستثمرين؛ فتوظيف المواطن أصبح جزءاً لا يتجزأ من الاستثمار، وخصوصاً بعد تخرج كثير من الشباب الذين انخرطوا في سوق العمل، وأصبح إنتاجهم مميزاً بشهادة كثير من المستثمرين، وفي وقت قصير تمكنوا من قيادة غالب البنوك والشركات والمؤسسات.
وهذا يبشر بخير كبير جداً للمواطنين؛ فرؤوس الهرم تحولت خلال الفترة القصيرة الماضية إلى قيادات وطنية ذات كفاءات عالية؛ ما رسم ثقافة لدى المنشآت والمنظمات أن السعوديين قادمون، ليس للمزاحمة فقط وإنما بتركيز واحترافية وكفاءة عالية. كيف كانت بنوكنا وصحفنا وشركاتنا وكيف هي اليوم؟ بل كيف كانت الدوائر الحكومية تعج بالوافدين وكيف أصبحت اليوم؟!!
قبل عشرين سنة فرضت معطيات السوق وتسهيلات الاستقدام على المنظمات - بحكم الواقع - أن يتم استقطاب الكفاءات من البلدان الأخرى نظراً لوجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب في الخبرات والتخصصات، وهذا أمر طبيعي؛ إذ إن التعليم وحده في بلدٍ ناشئ لا يكفي لإنتاج الكوادر والقيادات وإنما عنصر الخبرة الذي يجتاز بأهميته موروثات التعليم المتهالك خلق الفرق الشاسع، ولكن بعد أن انخرطت العقول الوطنية الشابة في الأعمال مكتسبة ما لدى غيرها من خبرة أصبح المواطن ينافس على المراتب العليا، وبجدارة.
وبلغة الاستثمار: لو تم حساب ما كان يُصرف لغير السعوديين منذ 20 سنة لوجدنا المليارات والتريليونات تبخرت من بحرنا لتمطر في أراضي غيرنا، أو كما يقول المثل الشعبي (كالنخلة العوجاء) يسقيها مالكها وترمي ثمرها في بيت الغير، فحسب دراسة محلية: حجم حوالات الوافدين في السنوات الخمس الأخيرة فقط تجاوزت 600 مليار ريال، وبرأي متخصص فإن «تحويلات العمالة الوافدة تعكس عدداً من المشكلات التي تتمثل في زيادة التسرب الاقتصادي والمالي من خلال تحويلات العمالة، بنسبة تصل إلى 16 % من حجم الاقتصاد غير النفطي في السعودية؛ ما يعكس زيادة في أعداد استقدام العمالة، في مقابل تقلص فرص الوظائف أمام المواطنين».
إن ما يُصرف الآن للمواطنين سواءً في القطاع الخاص أو الحكومي لهو استثمارٌ متعدد المنافع؛ كون تلك الرواتب والحوافز توزعت بأيدي المواطنين بدلاً من أن ترحل للخارج؛ فالريال الذي يكسبه السعودي يصرفه - في الغالب - داخل بلاده؛ ما يعزز عجلة الاقتصاد، ويخلق بدوره فرصاً أخرى لغيره داخل أرضه له ولأبنائه.
وللوفاء: فالكلام عن التوطين لا يعني نسيان ما قدمه لنا إخواننا الوافدون؛ فهم من نقل الخبرات إلى بلادنا ومساهمتهم في عمرانها؛ إذ سيبقى الوطن محتاجاً اليهم، وخصوصا في بعض الأعمال والتخصصات، وإنما هي مرحلة انتهت وبدأت مرحلة جديدة يجب أن ينعم فيها المواطن بفرصته بالعيش الرغيد، وأن تنعم فيه بلادنا بخيراتها داخل أراضيها، وبعد 20 عاماً بإذن الله سنتذكر هذه المرحلة.. إذ هكذا بدأت الدول الناشئة في توطين الوظائف شيئاً فشيئاً حتى تكامل اقتصادها وقلّت نسب البطالة فيها.
والخلاصة: كل ما يُصرف في سبيل توطين الوظائف في الوطن سيعود نفعه على الاقتصاد المحلي، وسيخلق فرص عمل لمواطن آخر، ولن تنتشر تلك الثقافة إلا حينما يقوم الإعلام بواجبه لزرع تلك الثقافة.
Twitter: @badr_alrajhiwww.badralrajhi.com