صفاء النظرية قد يكدره ضباب التطبيق .. فالدارسون للاقتصاد يدركون أنّ سوق المال مرآته، وأنه الرئة التي تتنفس منه الشركات وتموّل توسعاتها، غير أنّ هذه العافية لا يكفي أن تتحقق على الورق دون مقاربة تتجاوز الظاهر إلى الباطن!
سبقني كثيرون وسيتبعني أكثر في التحذير من الجوانب السلبية في سوق الإدراجات وأخطائها، خصوصاً تلك التي تتعلّق بشركات لا تسمن ولا تغني من جوع, سواء في زيادة عمق سوق المال أو القيمة المضافة للاقتصاد, فعدد من تلك الشركات المدرجة لا تملك توسعات تخدم الاقتصاد ولا وظائف تقدمها للشباب، ووعودها إنْ صدقت فمصير أغلبها الهدر والخسائر!!
تجارب المكتتبين وللأسف في سوق المال، جعل الإدراجات في نظرهم لا تتجاوز منجم الثروة للبعض للتخلُّص من عبء بعض الشركات وتفريق خسائرها على أكبر عدد من المساهمين... ولحماية سوق المال وإعادة الثقة إليه أرى أنّ الضرورة تستلزم التحقق من واقع الشركات ومسيرتها، بإلزام من يرغب في الإدراج منها، باعتماد الحوكمة نظاماً صارماً قبل سنوات من الإقدام على هذه الخطوة.
أعتقد أنّ الحوكمة والشفافية المتصلة بها ستكون القنطرة التي تعبر من خلالها هذه الشركات إلى ثقة السوق ومستثمريه، ولعلّ الإدارة التي نشرت صحيفة الجزيرة مؤخراً خبر تأسيسها في وزارة التجارة بمسمّى إدارة الحوكمة، ان تضطلع بهذا الدور وتتحقق منه بالتنسيق مع هيئة سوق المال التي ينبغي عليها بالمقابل، أن تعمل على توجيه أموال الاكتتاب لتمويل مشاريع الشركات وليس لتمويل جيوب الملاّك البائعين!
حين بدأت كتابة هذا المقال استذكرت درس الحذاء الذي ذكره الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لطلابه، وإدراك المثال كفيل بفهم مغزى إيراده، فقد كشف البروفيسور جوزيف ستيغليتز عن عمله خلال سنواته الجامعية الأولى في مخزن أحذية في ولاية إنديانا، وقال عن تجربته ساخراً: كنا في المحل نطبق سياسة موازنة الأفعال، فإذا كان الحذاء ضيقاً جداً كنا نشرح للعميل كيف يتنفس الجلد ويتوسع، وإذا كان واسعاً كنا نتحدث عن فوائد راحة القدم وكيف يأخذ الحذاء شكل القدم بشكل سريع، كان الهدف أن يباع الحذاء لكسب العمولة، وكان شعورنا بالاطمئنان والراحة من تأنيب الضمير أنّ زبائننا يدركون وجود عمولة نحصل عليها عن كل حذاء يباع، الأمر الذي يجعلهم يحذرون نصائحنا فلا يصدقوننا!
fahadalajlan@