يدهش العالم الخارجي بكتابه وصحفييه وإعلامه عامة حين نفخر بقدرة بنوكنا المحلية على توظيف النساء في القطاع البنكي مع الحفاظ على (خصوصية) المجتمع المحلي في علاقته بالنساء من حيث العمل في أماكن مفصولة عن الرجال والقيام بخدمة القطاع النسائي والمساهمة في الحركة الاقتصادية
وفي تشغيل رؤوس الأموال النائمة لدى النساء الثريات اللاتي لا يمكن الوصول إليهن إلا عبر امرأة مثلهن. لكن ما لا يعرفونه أن هذه الموظفة البنكية لا تستطيع في الغالب العام اتخاذ خطوة بسيطة داخل العالم البنكي في بطاقة ائتمانية مثلا أو قرض دون الاتصال بمن يوازيها أو يرأسها من الرجال. إنهن مثل غيرهن من النساء في المملكة ممن يعملن في مؤسسات رجالية وبها أقسام نسائية.. وجود وهمي ينفذ المهمات المكتبية والإجرائية ويحسب الأجر والتقدير لمن يوازيهن من الرجال في مؤسساتهن.
ولذا نجد الرجال في هذه البنوك يتمتعون بامتيازات هائلة لا تحلم بها النساء العاملات حتى لسنوات أطول في القطاع البنكي.
وفي حين ألاحظ أن أقاربي من الرجال العاملين في البنوك يتمتعون بمميزات كبيرة ليس أقلها الراتب المجزي والتذاكر والتأمين ومكافأة نهاية العام (البونص) إلخ من المميزات التي أرى أنهم يستحقونها بجدارة فهم ولفخرنا سعوديون جادون يمضون الساعات الطوال في العمل عدا عن الأيام والليالي في الترحال والسفر من مدينة إلى أخرى ومن دولة إلى ثانية لقضاء شؤون بنكهم فلا غبار إذن على ما يعطونهم.
في ذات الوقت تعمل العديد من قريباتي وصديقاتي من النساء في نفس البنوك وبنفس الظروف المهنية من ساعات للعمل ومسؤوليات مختلفة (ربما ليس بنفس نسبة السفر حتى نكون محقين) لكنهن لا يحصلن حتى ربع ما يحققه زملاءهم من رواتب وامتيازات وظيفية ومالية بل ووصل الأمر ببنك معروف جدا أن هدد إحدى موظفاته بفقد وظيفتها إذا تمتعت بكامل إجازة الأمومة، كما أقرها قانون العمل في المملكة (أربعون يوما) وهي انحنت على وليدها خمسة عشر كما قرر رئيسها ثم عادت مكرهة حتى لا تفقد الوظيفة!
ومعظم النساء اللواتي أعرفهن يعملن بمرتبات تعد هزيلة جدا في العرف البنكي العام كما أنهن ومنذ تعيينهن لسنوات لم يتجاوزن أبدا سقفا إداريا محدوداً وهو مدير عام على الأكثر مع استثناءات قليلة جدا هنا وهناك.
كل هذا ولم نسمع لهؤلاء النساء أية شكوى على العكس من ذلك تمتلئ أدراج إدارات هذه البنوك بطلبات التوظيف النسائية هذا عدا عن الوساطات التي أقرت مضجع أعضاء مجالس إداراتها ومدراءها من المتنفذين؟ فما هو سر التسليم والطاعة التي تبديها هؤلاء النساء؟
إنه السوق بمعطيات الطلب والعرض البشرية التي تفرض إرادتها الاقتصادية شاء البشر أو لم يشاءوا.. إنه هذا السوق الذي يضخ مئات الآلاف من الخريجات الجامعيات في كل التخصصات فلا يجدن عملا يقيم أودهن فيبقين في انتظار ذلك العريس القادم الذي قد يأتي ولا يأتي وفي أثناء ذلك تكون تلك الخريجة مستعدة أكثر وأكثر لتقديم التنازلات للحفاظ على وظيفتها في وجه سوق عمل بشرية تغص بالعاطلات. أمام ذلك تجد مؤسسات التوظيف نفسها غير مجبرة على تقديم إغراءات لموظفات تضمن أنهن لن يجدن فرصا بديلة خارج حدودها مما يعطي البنوك فرصة تفاوضية أفضل في حين يضعف ذلك ظروف التوظيف للراغبات من الجديدات لدخول العمل كما يجبر الملتحقات القدامى على القبول بأية مرتبات أو شروط وظيفية يضعها البنك ومن لا توافق فعليها المغادرة فهناك الآلاف في الانتظار!!
وفي حين تعاني المرأة في الوظائف الحكومية نفس ظروف الإغراق البشرية التي تعانيها العاملات في القطاع الخاص إلا أنهن يتمتعن بحماية قانون العمل وسلم الرواتب الموحد المقر من قبل النظام العام في الدولة مما يحميهن من انهيار أسعارهن أو تسريحهن بحيث تمكن من الاحتفاظ بوظائفهن سواء تمتعن بقدرات لأداء العمل أما لا.. احتاجهن العمل أم لا.. فهن في النهاية موظفات حكوميات مثبتات ولا يمكن التخلص منهن إلا عبر وسيلتين أحلاهما مر: التقاعد أو الموت!
في قطاع العمل الخاص تبدو القصة مختلفة تماما.. حيث يفرض سوق العمل الخاص شروطه من خلال قوانين السوق الخاص ومن خلال قوانين العرض والطلب لتجد المرأة السعودية نفسها في القطاع الخاص وفي البنوك على وجه التحديد وخاصة في الوظائف الأقدم.. قليلة الحظ والامتياز في الرتبة والراتب والموقع الوظيفي والامتيازات مهما اجتهدت مقارنة بما يعطى لزملائها الرجال كما أن السقف عال وهي امراة فلا تصل إلى سقف الوظائف التنفيذية أبدا في عالم البنوك ومهما بلغت جدارتها ولا نقول هنا إلا أنه لا عزاء للسيدات في بلد الخمسين ألف عاطلة!!