كثيرة هي البرامج التلفزيونية التي تناقش قضايا الوطن التنموية، وتبحث في هموم المواطن اليومية، إلا أن هذه الكثرة التي وصلت إلى حدّ المنافسة الجلية بين القنوات الفضائية، في محاولة استقطاب أكبر عدد
ممكن من المشاهدين السعوديين، لم تفرز برنامجاً يمكن أن يتسيد الساحة الإعلامية من حيث المتابعة الجماهيرية، خاصة في ظل الطرح اليومي المستمر من قِبل الصحافة المحلية للهموم والمشاكل الوطنية، فضلاً عما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً (تويتر)، الذي لا يعترف بقيود رسمية أو حدود جغرافية.
ولكن أزعم أن برنامج (الثامنة)، الذي يقدمه الكاتب والإعلامي المبدع داود الشريان، أصبح يمثل حالة خاصة ومميزة وسط كل البرامج التلفزيونية التي تناقش الشأن العام بقضاياه التنموية وخدماته الوطنية وهموم المواطنين؛ فالأستاذ داود يمتاز بالعفوية البعيدة كل البُعد عن التكلف، الذي يظهر به بعض المذيعين والإعلاميين وكأنهم يقدمون دروساً في البلاغة اللغوية، كما أن لهجته الدارجة الممزوجة بابتسامته الساخرة اختصرت المسافة بينه وبين المشاهد السعودي بشكل كبير، وكأنه يتحدث تماماً بلسان هذا المشاهد نفسه. زد على ذلك أن داود يطرح قضايانا التنموية وهمومنا اليومية وخدماتنا الحكومية بشكل مركز، وبطريقة مختلفة عندما يضع المشاهد في خط التماس مع المسؤول الحكومي عن هذه القضية أو ذلك الهمّ، بل إن المسؤولين الحكوميين أصبحوا في مرمى الشريان، من خلال ابتكاره فكرة وضع لافتة على أحد مقاعد المشاركين في البرنامج باسم الجهة الحكومية التي لم يحضر ممثلها للمشاركة في القضية المطروحة، وهو ما حدث مع وزارة التجارة، ثم الهيئة السعودية للتخصصات الطبية؛ الأمر الذي أضاف على البرنامج بُعداً في المواجهة الإعلامية، وقوة في الطرح، وخصوصاً أنه يتم على الهواء مباشرة وليس تسجيلاً؛ ما يجنبه الاتهام بالتحضير أو التنسيق.
كما أن داود الشريان لم يكتفِ بمناقشة القضايا والمشاكل والخدمات المعتادة، إنما راح ينبش في ملفات مهملة وقضايا منسية وخدمات متردية، ويتحدث بلغة الأرقام والبيانات التي تصعقنا بحقائقها المُرّة، ومع هذا العمل الرائع والطرح الجريء يجد المشاهد فرصة للتعبير عن رأيه من خلال وسائل التواصل مع البرنامج.
لقد استطاع داود الشريان أن يجعلنا نتسمر أمام الشاشة في انتظار فتح الملفات الساخنة، بل نعشق الساعة الثامنة حتى لو تطلب الأمر إلغاء مواعيدنا؛ فهذا البرنامج الذي انطلق في 17 مارس 2012م اكتسب شعبية غير عادية قياساً بمسيرته الزمنية، كما جعلنا نشعر بأنه أشبه بمحاكمة علنية لأداء المسؤولين الحكوميين المقصرين، ولا أبالغ إن قُلت إن الثامنة هي موعد كشف بعض ملفات الفساد على الهواء مباشرة! فإن كنت مسؤولاً فاحذر داود عند الثامنة، وإن كنت مواطناً فلا تفوتك الساعة الثامنة.
kanaan999@hotmail.comتويتر @moh_alkanaan