من أدبيات العلاقة بين الناس احترام الحدود المفضية لخصوصية الفرد، تلك التي تقرها قيم التعامل، وقيم التبادل بين الأفراد، والجماعات، وقد أقرتها شريعة السماء، حين نهى الله تعالى عن الدخول لبيوت غير ذوي القربى، إلا بعد الإيذان... وفي هذا تقنين للخصوصية، وضرب من التنبيه لفضائل السلوك، ومنشأ العلاقات على مبدأ الاحترام...، ومن ثم تقدير الظروف الخاصة لمن يقصد بيوتهم قاصد دون موعد، أو معرفة منهم.. فإن طرق، وأذن له دخل، وإلا فلا ما يستدعي سخطه، أو عتبه..
ولأن الأبواب للناس لم تعد هي أبواب البيوت وحدها، فإن ما يجري في وضع الاستئذان عند أبواب البيوت، يجري على بقية الأبواب، وفيها مكان العمل، وبريد التراسل، وهاتف التواصل..
غير أن هذا السلوك قد انتفى في ضوء هجمة الرسائل دون إذن من صاحب الهاتف، أو البريد الالكتروني ليس فقط ممن يعرف، ويكون هو من قدم لهم عنوانه، فيسعد بتواصلهم، كما يحدث عند استقبالهم بمعرفته عن قدومهم، وإنما من أولئك الحاصلين على رقم هاتفه، وعنوان بريده من سواه....
المزعج في الأمر أن مؤسسات وقنوات الدعايات، وأصحاب المصالح التسويقية غدوا أول من يهجم على عناوينك دون إذن منك، ويملأون خاناتك دون رضاك، ويهدرون وقتك دون سعادة منك...
ربما في هذا السلوك منهم ما يجعلك تضيق ذرعا بحديث سبل الوصول إليك، فهذا السلوك من مساوئ وسائل التقنية الحديثة، إذ تمكن كل من هب ودب من عناوينك، فأنت تعجز عن ضرب باب خشبي أو حديدي أو من ستر بينك وبينهم، فلديهم وسائل قادرة على الوصول إليك رغما عنك، عندها سوف تتحسر على قيم التعامل مع علاقاتك بالآخر، تلك التي خسرتها فضائل الأخلاق. عن طريق مثالب وسائل ومنجزات الحضارة الحديثة.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855