هناك ثلاثة مكونات رئيسية تشكل العلاقة بين بعضها بعضا وبينها أو بين أحدها والجهات الأخرى، نوع النظام الصحي إدارياً وتنظيمياً، هذه المكونات هي: (1) الطبيب أو الممارس للمهنة الطبية ويمثل مقدم الخدمة الرئيس (2) المريض أو المستفيد النهائي من الخدمة (3) الممول للخدمة / القطاع التأميني أو ما يطلق عليه الطرف الثالث على اعتبار مقدم الصحة والمريض الطرفان الأول والثاني...
بناء عليه يصنف بعض الباحثين التطور التاريخي للنظام الإداري الصحي إلى ثلاث حقب رئيسية:
الحقبة الأولى: حقبة سيطرة الأطباء، وفيها كان التركيز على الطبيب أو مقدم الخدمة، وتكييف النظام والتطوير والإدارة وفق متطلبات واحتياجات الطبيب بالدرجة الأولى، ورغم أن الطبيب هنا يقدم العلاج الطبي أو الجراحي أو السريري للمريض، إلا أنه لم يتم الارتقاء بالتعامل مع المريض على اعتباره عميلا أو زبونا للخدمة الصحية، حسب الأعراف الاقتصادية والتجارية والإدارية، وإنما ظل عنصراً سلبياً لا يحمل رأياً ولا يعتد برغباته الخارجة عن إطار رؤية الطبيب، وكان هذا التوجه الإداري سائداً حتى نهاية الخمسينيات ومنتصف الستينيات الميلادية تقريباً...
الحقبة الثانية: حقبة سيطرة شركات التأمين الصحية التي أدت إلى تمركز التطوير الإداري حول الطرف الثالث في المنظومة الصحية، نظم التأمين الصحية، وبالذات بعد تطور تلك النظم ودخولها كشريك رئيسي في تقسيم الخدمة وتحديد نوعيتها وطريقة الدفع والتمويل، وفي هذه المرحلة أصبح التركيز كبيراً على إرضاء شركات وجهات التأمين حكومية كانت أو خاصة، وقد أسهمت شركات التأمين في الرقابة وتقليل التكاليف التي يتكبدها موفر الخدمة الصحية، سواء على المستوى العام أو على مستوى الفرد، وهذه مرحلة السبعينيات والثمانينيات...
الحقبة الثالثة: مرحلة إرضاء المريض وتجاوز اعتباره عنصراً سلبياً في استقبال الخدمة الصحية، إلى اعتباره عميلاً يجب العناية بجودة ما يقدم له وإشراكه في التطوير الصحي، والعناية بمطالبه واحتياجاته المختلفة. مرحلة يكون فيها المريض هو العنصر الأول في مجال التطوير الإداري والتنظيمي والتنفيذي، وتأتي هذه المرحلة كنتاج طبيعي للتحولات الاقتصادية بصفة عامة وللتطور الذي أحدثته شركات التأمين بصفة خاصة في المجال الصحي، حيث إن تنافس وتعدد شركات التأمين وتنافس مقدمي الخدمة الصحية، إضافة إلى تطور أساليب وأسس ومعايير الأداء الاقتصادي أدى ويؤدي إلى التنافس والضغط في جوانب تتعلق بالرقابة والجودة الصحية وأبرز معاييرها التركيز على المريض بما يعنيه ذلك من البحث عن رضى العميل والطرق التي تؤدي إلى استقطابه وخدمته بالشكل اللائق وبأقل التكاليف، وخصوصاً في ظل تطور مؤسسات المجتمع المدني و التطور المعرفي والثقافي الذي أصبح يميز عميل اليوم، المريض، عن مريض الأمس...
الآن نطرح السؤال: أي مرحلة أو حقبة وصلها التطور الإداري الصحي السعودي، ضمن خارطة التطورات الإدارية الصحية المتعارف عليها عالمياً...؟
فلسفة النظام الإداري الصحي السعودي (النظام هنا لا يعني مؤسسة صحية فردية، وإنما القطاع الصحي بصفة عامة وعلى رأسه وزارة الصحة الممثل الرئيسي له) لازالت تتمركز في النموذج المتمحورحول الطبيب، نموذج الستينيات الميلادية وما قبلها، وخصوصاً في ظل الإدارة الحالية التي جمدت خيارات التأمين الصحي الحكومي ووجود صندوق تمويلي مستقل للخدمة وتقليص مركزية النظام وغير ذلك من المبادرات المتقدمة.
ونستدرك؛ ربما كانت مبادرة الدكتور القصيبي وزير الصحة الأسبق -رحمه الله- الوحيدة التي حاولت بجدية تبني نموذج المريض باعتباره العنصر الأول، وهي محاولة قاومها الأطباء ولازال بعضهم ينعتها بالسلبية...!
malkhazim@hotmail.com