حالة الفوضى وعدم التأكد التي تشهدها معظم الدول العربية التي اجتاحتها الثورات الشعبية، أو ما تُسمى بـ»دول الربيع العربي»، تضاعف إحباط المواطن العربي المحبط أصلاً.. فالفرحة الغامرة التي اجتاحت الشارع العربي بفعل التغطيات الفضائية والصحفية الحماسية لما جرى بدأت تخبو ويحل مكانها الكثير من الوجل لما يحمله المستقبل.
صحيح أن بواعث تلك الثورات كانت في الأساس منطلقة من واقع مثقل بالفساد السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي وظروف محلية ودولية كثيرة، لكن ما آلتْ إليه تلك الثورات لا يبشر بأن واقعاً جديداً أكثر إشراقاً سينبثق في المستقبل القريب ولا حتى المتوسط.
إن تغيير نظام سياسي وإحلال نظام آخر بدلاً منه لا يعني بالضرورة أن القادم سيكون أفضل من السابق. فالتغيير لأجل التغيير قد يكسر الملل في حالات اجتماعية وثقافية معينة، لكن مجرد التغيير للواقع السياسي الراهن لا يضمن تفوق القادم المجهول.
من الطبيعي أن يكون الحكم الآن على مستقبل ما ستؤول إليه الأحداث في دول الربيع العربي حكماً متسرعاً.. فكل الثورات تصطدم بواقع «ما بعد» زوال النظام القديم، وفي حالات كثيرة تمخضت الثورات عن مآسٍ وويلات مهولة قبل أن تفضي إلى واقع أفضل من الواقع السابق.. وفي حالات أخرى انتكست الثورات وحوَّلت مجتمعاتها إلى جحيم لم تتخلص منه أبداً.. ولكن مع الإدراك لهذا كله فإن التعويل على المدى الطويل لجني ثمار الثورات الشعبية غير مضمون، كما أنَّ له ثمنه الباهض.. وكما يقول المفكر الاقتصادي البريطاني الشهير جون مينارد كينز: «في المدى الطويل كلنا ميتون».. وهذا يعني أن هناك أجيالاً ستضحي وتدفع أثماناً غالية بانتظار ذلك المدى الطويل الذي قد يأتي وقد لا يأتي..!
إن الأرقام والإحصائيات الاقتصادية تشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية في دول الربيع العربي تزداد تدهوراً.. وهي إن كانت في الماضي سيئة فهي الآن أسوأ، لكن المأمول أن تتحسن بمجرد استقرار واتضاح الحالة السياسية المستقبلية.. وهذا رهانٌ يتحمس له البعض بينما يتشاءم فريقٌ آخر وذلك في ظل تصريحات تفتقر إلى الكياسة من بعض الشخصيات الفاعلة في الأحزاب الصاعدة في دول الربيع العربي.. وهي تصريحات لا تساعد على قيام بيئة اقتصادية مشجعة للاستثمار الذي هو أساس أي نهوض حقيقي بالوضع الاقتصادي.
باختصار، يتضح أن الفورة الحماسية التي كانت أقرب ما تكون إلى الأحلام الوردية إنما جاءت كردة فعل لواقع سياسي واقتصادي محبط، وهي بذلك تكون ردة فعل طبيعية.. لكن المآلات النهائية تبقى معلقة ورهينة لتفاعلات الصراعات القادمة.. ولذلك نقول، ونحن نتمنى كل الخير للأشقاء، إن العبرة - في النهاية - ستكون بالنتائج.. ونتمنى أن تكون هذه النتائج وردية كما كانت الأحلام غداة الثورة وردية.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض