تعودت أن ألتقط، وأسجل العبارات التي تدهشني عند نزولها في مسمعي, حين أكون عابرة في طريق، أو مقتطعة زمنا في طائرة، أو أي وسيلة نقل، أو متبضعة في سوق، أو مارة في ردهات الجامعة، والمشفى، والبنك، وأي طريق تقودني إليه حاجة..
تلك العبارات يطلقها أي إنسان، شيخا كبيرا، أو طفلا صغيرا، امرأة على مقعد، أو في مأزق، بين الازدحام في المسجد، أو عند الجدال في الطرقات،.. أو عند المداخل, والخارج حيث تقضي لحظة بوح عفوي وبصوت عال..
تهف كلماتهم هفيف النسمة، أو تنزل في السمع نزول القرع..
تُفرح، أو تجرحُ..,
تستدعي تأملي، أو تثير حسرتي، أو أملي..
فالإنسان شاهده لسانه..
ومحتواه هو ما يقول..,
وسلوكه هو منطقه..
وإحساسه هي عبارته..
فإن أردنا معرفة من نرى، ومن نسمع، فلن نصل لذلك إلا عن كل ذلك..
هذا ما أعتقد في الإنسان،..
وهذا دربي من بين كل دروبي للإنسان..,
لمعرفة الناس الذين يدبون على الأرض..
فلربما كلمة قادتنا لحاجة الآخر..
ولربما عبارة يطلقها, تجعلنا نتخذ موقف المنقذ، أو المعين، أو تبعث همتنا لأمر حسن، أو تقصينا عن سوء، أو تعلمنا حكمة، أو تهبنا فكرة..
الناس، كلماتهم مواعين صدورهم..
والإنسان، نافذته التي يتنفس بها عن مضامينه، هي كلماته..
فإن أردت أن أتعرف شقاء الناس, أو سعادتهم لا تغفل أذناي تلك الآهات التي تخرج من صدورهم، فهم بها يعبرون، دون أن يلقوا بالا لمن يصغي إليهم، فيعي همومهم، وكربهم، وفرحهم، ونجاتهم..،
مفاجآتهم المرضية، والمؤذية..
وأيضا يدرك سخطهم، وتذمرهم، وعدم رضائهم..,
بمثل ما تعبر ابتساماتهم، وسحناتهم الرضية عن نيلهم المراد، وبلوغهم الحاجة.., وامتنانهم، ورضاهم..
فالعابرون بي في الطرقات حكماء، حتى الطفل فيهم..،
إذ هم يقدمون لي في بعض جمل، ما لا تحمله أسفار..
ذات يوم سأكتب لكم شيئا مما دونته من عباراتهم..
الناس الذين لا أعرفهم يسدون إلي معروفا، دون أن يعلموا..
فأبلُغ تلك الرسائل التي تصلني منهم حين عبور بهم، دون أن أتعمد الذهاب إليها..
فالطرقات, والمعابر، وحيث ألتقي وجوه الناس، أجد الحكمة، وألتقط الحقائق دون تزييف, ولا تغليف..!!
فهم أولئك المارون بي يعلمونني دون أن يعلموا أنهم يفعلون..!!
ففوق الأرض حيث تدب، تتعلم .. وتتسع فضاءاتك كلها..