يبدو أننا لا نزال نبحث عن علاج لمشكلة تعترض سبيل العمل العلمي والمعرفي والاجتماعي تتمثل في ندرة المحكمين، أو الفاحصين في شئون المنافسات والمسابقات والمشاركات والتكريم والاحتفاء، وربما أبرزها وأكثرها إلحاحاً في الحقلين العلمي والثقافي، حيث يتطلب في المحكم أو الفاحص في هذين الشأنين قدرة فائقة وفهم متوازن ودراية واضحة.
فهناك الكثير من لجان التحكيم من تشكلت بدون أي معيار، أو قاعدة، أو لائحة، أو نظام عمل يمكن الركون إليه، لأن جل هذه اللجان للأسف يتم عملها وفق خطابات وطلبات وتوصيات ذاتية، يغيب عنها العمل المؤسساتي كهيئة متخصصة أو لجنة أو جمعية يمكن لأيّ جهة أن تلجأ إليها في مجال تحكيم هذه الجوائز والمسابقات.
وقد استفحلت ظاهرة ندرة المحكمين أو الحكام في قطاعات مختلفة تنتهج أسلوب المنافسات والمسابقات على نحو حقل الرياضة حتى بات اللجوء إلى جهات أخرى خارج الحدود أمر لابد منه من أجل فك الالتباس والتشابك في الكثير من المنافسات، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مثل هذه المناسبات.
فظاهر أخطاء التحكيم ليست في الرياضة فقط، كما أنها ليست قضية محلية إنما هي عالمية شائكة تشغل الكثيرين في أنحاء مختلفة من العالم، يضاف إلى ذلك معاناة أخرى تتقاطع معها تتمثل في قضايا شراء الذمم والتلاعب بالنتائج والأصوات حتى بات العلاج أصعب، ولم يُفصل في أمر هذه الخلافات على مدى أعوام.
كما أنه لا يمكن حصر هذه القضايا -كما أسلفنا- في شأن الرياضة والرياضيين إنما تظهر في الشأن الاجتماعي والمعرفي ولاسيما في قضايا منح بعض الجوائز العالمية، أو شبه العالمية للمؤلفين والباحثين والأطباء والمهندسين والاغاثيين.
فالعالم العربي بما فيه نحن يعيش هذه القضية بكامل تفاصيلها إلا أن من بيننا من يحاول التقليل من شأن هذه المشكلة وخطرها ونتائجها على الذائقة والعطاء حينما يتم إسناد أمر الفرز والتقييم والتحكيم لشخصيات محلية قد لا نشك في أهليتها بقدر ما نلمح أنها تتم حسب الرغبة ووفق القبول العاطفي عند بعض مسؤولي هذه الأنشطة.
أما الجانب التاريخي لهذه القضية القائمة منذ أمد فإن لمجتمعنا القديم تجربة عفوية مميزة تمثلت آنذاك في إسناد الكثير من القضايا والخصومات والمنازعات لأهل الخبرة والدراية في المجتمع للفصل فيها، وممارسة الدور القانوني أو القضائي فيما كان يعرف بسلطة الحَكَم أو الحكيم أو “العارفة” الذي يأخذ على عاتقه مهمة الفصل فيها عن دراية وممارسة ورضى تام من قبل المتخاصمين.
hrbda2000@hotmail.com