أثناء معرض الكتاب جاءني مندوب إحدى القنوات الفضائية السعودية ينشد تصريحاً حول تدخل الهيئة في سحب الكتب، قلت له إنني مجرد مؤلف ولا علاقة لي بهذا الموضوع. وأضفت اقتراحاً أن نتحدث عن مؤلفي وجائزة وزارة الثقافة أو عن أي موضوع آخر حول المعرض. أجابني بأن الإعلام الحديث مهمته الإثارة.. ودار جدل بيننا لم نتفق في نهايته حول مفهوم الإثارة وأنها ليست بالضرورة فقط نقاطاً سوداء نفتش عنها وربما نخلقها وحول أهمية تغطية الحدث بشكل متوازن سلبياته وإيجابيته.
في برنامج هلا روتانا ترددت كثيراً في المشاركة معهم وفي النهاية وافقت كون الموضوع عن التبرع بالأعضاء وهو يلامس اهتمامي ويستحق أن يتم تسليط الضوء عليه وحث الناس بأهميته. جهزت معلومات قيمة عن الموضوع وذهبت في يوم ماطر لموقع التصوير. أدخلوني على المذيع مباشرة خلال الفاصل بين مقاطع البرنامج، وبدأ سؤاله حول هل يبيع الناس في المملكة أعضاءهم لأجل المادة؟ عرضت حالة واحدة ومن خلالها عمم المذيع رأيه وبعد ذلك السؤال انتقل إلى ضيف آخر بالتلفون، وكان الضيف أستاذاً كبيراً في المجال الطبي وسأله سؤالاً واحداً. بعدها قال لي وللضيف الآخر مع السلامة، وننتقل للفقرة التالية وهي فقرة محتكرة لعرض عناوين جريدته المفضلة وكاتبه المفضل.
شاركت في برامج أخرى يأتي إليها المذيع دون تحضير مسبق ويقاطعك في كل جملة ويصر على أن يستنطق منك عنواناً صارخاً وقاسياً تجاه الجهة التي تتحدث عنها، حتى لتشعر أن بعض المذيعين يستمتعون بإحراج وتقزيم الضيف، رغم أنهم من يجري خلفه ليشارك معهم..
أصبحت أتردد عن المشاركة في البرامج التلفزيونية لأن السمة الرئيسة الغالبة - أو على الأقل واجهتني في العديد من مشاركاتي السابقة - تتمثل في البحث عن إثارة مبالغ فيها، أو لنقل البحث عن عنوان سلبي ناقد وعدم تغطية حتى تفاصيله. هناك إشكالية إعداد وسطحية مذيع ممزوجة بالغرور والفوقية لدى بعض مذيعينا تجعلك كضيف للبرنامج أو خبير في المجال غير مرتاح وغير قادر على طرح وجهة نظرك كما تود..
هناك ضعف مهني واضح لدى كثير من مذيعينا، وبعضهم حمل من الشهرة الكثير، في إدارة الحوار وتغطية مختلف جوانب الموضوع المطروح وإتاحة الفرصة لآراء متنوعة حوله بشكل يثريه ويجلي تفاصيله. كأن الإعلام أصبحت مهمته الوحيدة هي فقط الحصول على الخبر الغريب والسلبي وتعميمه. بالتأكيد أن إحدى طرق الإعلام الإثارة وبالتأكيد أن الإعلام المتميز ليس مادحاً على طول الخط، لكن المبالغة في جلد الذات وتصوير كل شيء في بلدنا بشكل سلبي أصبح ملحوظاً وبارزاً ومن يقوده للأسف هو الإعلامي السعودي.
لا أبحث عن الكذب أو التملق في الإعلام فأنا كاتب وناقد يؤمن بأهمية النقد، لكنني أبحث عن الموضوعية أولاً وأبحث عن الموازنة في الطرح. أشعر أحياناً أن الإعلام أصبح يكرس فينا الإحباط ويرسخ نظرة غير جيدة عن المواطن السعودي وعن المجتمع السعودي ولا يفرق بين نقد الخدمات والأداء وبين تكريس صورة نمطية سلبية عن المواطن والوطن. هذه الصورة ستبقى معنا ولن نستطيع محوها مستقبلاً بسهولة. بل إننا أصبحنا نلمسها في سفرنا وفي حديثنا مع الآخرين من الدول المختلفة. وأتفق هنا مع زميلنا الكاتب بهذه الجريدة الدكتور عبدالعزيز السماري حول هذه الظاهرة التي انتشرت عبر الفضائيات السعودية.
malkhazim@hotmail.com