فتحت جريدة «الوطن» ملف الأراضي المملوكة بطرق غير نظامية، والصكوك المزورة؛ وأشارت إلى «شطب 15صكاً تخص أراضيَ واقعة في مدينتي ضباء والبدع» بعد اكتشاف استخراجها في فترة سابقة بطرق غير نظامية؛ وأكدت على أن محكمة الاستئناف في مكة المكرمة شطبت 16 صكاً مزوراً لأراض تبلغ مساحتها 60 مليون متر مربع في محافظة جدة بعد أن إكتشفت أنها تعود «في الأصل إلى منحة أرض واحدة مساحتها 20 ألف متر مربع». التحايل والتزوير في المنح، والصكوك، وسرقة الأراضي ليس حكرا على منطقة مكة المكرمة..
.. بل هو منتشر في غالبية مدن المملكة، وأكاد أجزم أن مجموعة كبيرة من الأراضي الشاسعة في أنحاء المملكة، تم تملكها بطرق غير نظامية اشترك في تسجيلها شرعا الوكلاء والملاك، والبلديات، والآمانات، وكتاب العدل. كثير من الأراضي الحكومية تم الإستيلاء عليها بوضع اليد وإستخراج حجج إستحكام بشهادات زور؛ بعض تلك الأراضي أحدثت ضررا مزدوجا بالحكومة؛ الأول إستقطاعها من أملاك الدولة، وتقليص قدرة الحكومة على المنح لذوي الدخل المحدود؛ وإرغامها على شراء الأراضي من أجل المرافق العامة؛ والثاني مطالبتها بتعويضات ضخمة في حال نزع ملكيات الأراضي المسروقة لصالح المشروعات الحكومية.
عندما تتعذر البلديات بعدم وجود أراضي للمرافق العامة، وتعجز وزارة التربية والتعليم عن إيجاد أراضي حكومية لمشروعاتها المهمة، وتُعيد وزارة الصحة ميزانيات خصصت لبناء مستشفيات ومراكز صحية للسبب نفسه، فإننا نتساءل عن مصير الأراضي الحكومية الشاسعة المُخصصة للمرافق الحكومية؛ هل تقلصت مساحات المدن؟ أم أن يد العابثين تطاولت على أملاك الدولة واستولت عليها بمساعدة بعض الموظفين الرسميين في البلديات، والأمانات وكتابات العدل.
سُرَّاق أراضي الدولة حرموا المواطنين من حقوقهم المشروعة، واستنفدوا المساحات المخصصة للبناء، والمنح، والمرافق الحكومية. هناك ضرر مزدوج وقع على عموم المواطنين، الأول حرمانهم من الحصول على مِنَح لبناء مساكنهم، والثاني حرمانهم من الحصول على المرافق الحكومية كالمدارس،والمستشفيات، والحدائق العامة في أحيائهم السكنية.
«سبق السيف العذل»، إلا أن معالجة بعض الأخطاء أجدى من تركها والقبول بها!. كثير من الأراضي الحكومية المسروقة؛ بالتمدد القسري، أو تكرار أمر المنحة الواحدة في أكثر من أرض، أو التزوير، أو الإحتيال، موجودة حتى الآن، وعملية الرجوع إليها؛ كما حدث في منطقة مكة المكرمة؛ أمر هينا؛ وكل ما تحتاجه الحكومة هو إصدار قرار ينص على فحص الصكوك المُستخرجة بناء على منح، أو إحياء، أو ذات العلاقة بالمرافق العامة وفق المخطط الأول المعتمد للمدن وشطب الصكوك المخالفة وإرجاع أراضيها لأملاك الدولة. الحكومة طبقت نظام «المادتين النظاميتين» وألزمت به أصحاب حجج الإستحكام الصادرة من المحاكم الشرعية، للتأكد من عدم تداخل أملاكهم مع أملاك الدولة، وهي قادرة على تطبيق ذلك النظام على جميع الأراضي التي تتجاوز مساحتها 10 آلاف متر؛ وتخصيص هيئة مستقلة لفحص الصكوك والتأكد من نظاميتها قبل إجراء عمليات البيع أو الإستنفاع بها. هيئة مكافحة الفساد يجب أن تنشط في متابعة الأراضي الحكومية داخل المدن، وأن تراجع المخططات للتأكد من عدم سرقة البعض لأراضي المرافق العامة، فإن إكتشفت سرقتها إسترجعتها بقوة النظام؛ فالسرقة لا تُستَحَل بالتقادم. المجالس البلدية مسؤولة عن حماية الأراضي الحكومية، ومسؤولة ايضا عن كشف السرقات القديمة؛ على اساس أنهم أكثر معرفة بمدنهم من الآخرين؛ «فأهل مكة أدرى بشعابها»؛ ممارسة الصمت عن الأراضي الحكومية المسروقة قد تُلحق بهم تهمة التواطيء. أملاك الدولة ليست حقا مشاعا لِسُرَّاق الأراضي، وخبراء الإحتيال، وتصدي الأمير خالد الفيصل؛ أمير منطقة مكة المكرمة؛ لهم في منطقته، يجب أن يُطبق في المناطق الأخرى؛ فأمراء المناطق مسؤولون عن حماية أملاك الدولة، وحقوق المواطنين من ذوي الدخل المحدود؛ فالضرب على يد السارق، يُحقق العدالة، ويمنعه من التمادي في غيه، ويمنع الآخرون من محاولة تجربة السرقة، فتطبيق القانون على الجميع «كائنا من كان» كفيل بحماية أملاك الدولة من السرقة، وإعادة ما سُرق منها، وتحقيق العدالة، ودعم مشروعات التنمية المتوقفة بسبب ندرة الأراضي الحكومية.
f.albuainain@hotmail.com